بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله الذي أنزل القرآن موعظة وشفاء لما في الصدور، وجعله منهلًا عذبًا للورود والصدور، جمع فيه علوم الأوّلين والآخرين، فلا رطب ولا يابس إلّا في كتاب مبين. والصلاة والسلام على من أُوحي إليه ذلك القرآن، من لوح الوجوب والأمر والشان، سيدنا محمد، الذي أجرى من مسجله ما يحاكي السلسبيل والرحيق، وأفحم ببلاغته كُلَّ متكلّم مِنطيق، وفسَّر الآيات في الأنفس والآفاق، على مراد الله الملك الخلّاق، وعلى آله وأصحابه المقتبسين من مشكاة أنواره، المغترفين بحار أسراره، ومن تبعهم بإحسان ممَّن تخلَّق بالقرآن في كُلّ آنٍ وزمانٍ، صلاة وسلامًا دائمين بدوام المدى والأوان.
أمَّا بعد: فيقول العُبَيْد المعترف بذنبه وخَطاه، المنادي لربه في عفوه وعطاه، الراجي في إسبال سجاف النَّدى عليه، المناجي في إرسال رسول الهدى إليه، حفظه الله سبحانه وأخلَّاءه، وأعاذه وإيَّاهم من الشيطان الرجيم، وجعل يومه خيرًا من أمسه إلى الإياس من حياة نفسه، سميُّ محمد الأمين الهرريُّ.
إنّي لمّا فرغْتُ من تفسير المجلّد الأول على الحزب الأوّل من القرآن الكريم .. عزمتُ إن شاء الله تعالى على الشروع في المجلّد الثاني على الحزب الثاني، وقد قصدت أن أخُصَّ كلَّ حزب من الأحزاب الستِّين بمجلَّدٍ، فيكون الكتاب ستين مجلّدًا، ولكن ما أدري ما سيفعل بي ربّي، وإنْ كان علم التفسير لا يقحم في معاركه كُلُّ ذمير، وإن كان أسدًا، ولا يحمل لواءه كُلُّ أميرٍ، وإن مات حسدًا، وذلك أظهر من أن يورد عليه دليلٌ، كالنَّيرين لغير كليلٍ، ومع خطر هذا الأمر فالأمد قصير، وفي العبد تقصيرٌ، وكَمْ ترى مِنْ تَحْرِيرٍ كاملٍ في التحرير