[20]

فائدة: واعلم (?) أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان مركّبًا من الدنيا والآخرة، ولكلّ جزءٍ منهما ميل وإرادة إلى كله؛ ليتغذّى منه، ويتقوّى، ويتكمّل به، ففي جزئه الدنيوي وهو النفس طريق إلى دركات النيران، وفي جزئه الأخروي وهو الروح طريقٌ إلى درجات الجنان، وخلق القلب من هذين الجزئين، وله طريق إلى ما بين إصبعي الرحمن، إصبع اللطف، وإصبع القهر فمن يرد الله به أن يكون مظهر قهره أزاغ قلبه، وحوّل وجهه إلى الدنيا، فيريد العاجلة، ويربّي بها نفسه إلى أن تبلّغه إلى دركات جهنم البعيدة، ويصلى نار القطيعة، ومن يرد الله به أن يكون مظهر لطفه أقام قلبه وحوّل وجهه إلى عالم العلو، فيريد الآخرة، ويسعى لها سعيها، وهو الطلب بالصدق، وهو مؤمن بأن من طلبه وجده، فأولئك كان سعيهم في الوجود مشكورًا من الموجد في الأزل.

20 - ثم بيّن سبحانه أن عطاءه ورزقه الدنيوي لا يحظر على كل من الفريقين فقال: {كُلًّا}؛ أي: كل واحد من الفريقين مريد الدنيا، ومريد الآخرة، فهو منصوب بقوله: {نُمِدُّ}؛ أي: نمد ونزيد كلّا من الفريقين بالعطاء مرّة بعد أخرى، بحيث يكون الآنف مددًا للسالف لا نقطعه منه، وقوله: {هؤُلاءِ} بدل من {كُلًّا} و {هؤُلاءِ} عطف عليه؛ أي: نمد هؤلاء الذين يريدون الدّنيا وهؤلاء الذين يريدون الآخرة {مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ}؛ أي: من معطاه الواسع الذي لا تناهي له، لأنّ العطاء اسم لما يعطى فهو متعلق بـ {نُمِدُّ}، فالله تعالى يوسّع عليهما في الرزق من الأموال والأولاد، وغيرهما من أسباب العز، والزينة في الدنيا، وهذا (?) الإمداد المذكور ليس على طريق الاستيجاب والاستحقاق بالسعي والعمل الصالح، بل بمحض التفضّل {وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ} يا محمد؛ أي: معطاه في الدنيا {مَحْظُورًا}؛ أي: ممنوعًا من كل أحد، مؤمنًا كان أو كافرًا، لأن الكلّ مخلوقون في دار العمل، فأزاح تعالى العذر عن الكل، وأوصل تعالى متاع الدنيا إلى الكل على القدر الذي يقتضيه الصلاح، فيرزق المؤمنين، والكافرين، وأهل الطاعة وأهل المعصية، لا تؤثر معصية العاصي في قطع رزقه، بل هو فائض على البرّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015