مستحقه، بحسب استحقاقه، ولا ينافيه مزيد التفضل على من هو أهل لذلك، والمراد بكونه سبحانه خبيرًا بصيرًا: أنه محيط بحقائق الأشياء ظاهرًا وباطنًا لا تخفى عليه منها خافية.
والمعنى: أي (?) وحسبك - أيها الرسول - بالله خبيرًا بذنوب خلقه، فلا يخفى عليه شيء من أفعال مشركي قومك، ولا أفعال غيرهم، بل هو عليم بجميع أعمالهم، لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض، وسيجازيهم على ذلك بما يستحقون.
18 - ثم قسّم سبحانه عباده إلى قسمين: محب للعاجلة، ومحب لأعمال الآخرة، فذكر الأول منهما بقوله: {مَنْ كانَ} منكم أيها العباد {يُرِيدُ} بأعمال البر التي عملها {الْعاجِلَةَ}؛ أي: المنفعة العاجلة، أو الدار العاجلة فقط: أي ما فيها من فنون مطالبها، فيدخل فيه الكفرة، والفسقة، والمراؤون، والمنافقون، والمهاجر للدنيا، والمجاهد لمحض الغنيمة والذكر، وطالب العلم لغرض الوظيفة، والمحمدة، والشهرة والاسم، كما ابتلي به كثير من طلبة عصرنا، وقد بيّنا ما يتعلق بعلم من ذكّر وضده في كتابنا «سلّم المعراج على خطبة المنهاج»، فراجعه إن شئت. {عَجَّلْنا لَهُ}؛ أي: لذلك المريد {فِيها}؛ أي: في تلك العاجلة، ثمّ قيّد المعجّل بقيدين:
الأول: قوله: {مَا نَشَاءُ} تعجيله له من نعيمها، لا كل ما يريد؛ فإن الحكمة لا تقتضي وصول كلّ طالب إلى مرامه ومطلوبه، ولهذا ترى كثيرا من هؤلاء المريدين للعاجلة، يريدون من الدنيا ما لا ينالون، ويتمنّون ما لا يصلون إليه، ومن حكمته سبحانه: أنه (?) يبتلي بعض العباد بالطلب من غير حصول المطلوب، وبعضهم يبتلي به مع حصول المطلوب المشروط به، إما مقارنا لطلبه، وإما بعده، لأن وقت الطلب قد يفارق وقت حصول المطلوب، فيحصل الطلب في وقت، والمطلوب في وقت، وبعضهم لا يبتلي بالطلب، بل يصل إليه الفيض