وتذكيره مبنيٌّ على تأويل النفس بالشخص، وفوّض تعالى حساب العبد إليه، لئلا ينسب إلى الظلم، ولتجب الحجة عليه باعترافه.
وقال الحسن: أنصف من أنصفك، أنصف من جعلك حسيب نفسك اهـ.
وقرأ الجمهور (?) - ومنهم أبو جعفر -: {وَنُخْرِجُ} بالنون مضارع أخرج الرباعي كتابا بالنصب، وعن أبي جعفر أيضًا، {ويخرج} بالياء مبنيًا للمفعول {كِتابًا} بالنصب؛ أي: ويخرج الطائر كتابًا، وعنه أيضًا {كتاب} بالرفع على مفعول ما لم يسمّ فاعله، وقرأ الحسن وابن محيصن ومجاهد {ويخرج} بفتح الياء وضم الراء أي طائره كتابًا إلّا الحسن، فقرأ {كتاب} على أنه فاعل {يخرج} وقرأت فرقة {ويخرج} بضم الياء، وكسر الراء؛ أي: ويخرج الله، وقرأ الجمهور {يَلْقاهُ} بفتح الياء وسكون اللام، وقرأ ابن عامر، وأبو جعفر، والجحدري، والحسن بخلاف عنه: {يلقّاه} بضم الياء وفتح اللام وتشديد القاف.
وحاصل معنى الآية: أي وألزمنا كل امرىء عمله، الذي يصدر منه باختياره، بحسب ما قدر له من خير أو شر، لا ينفك عنه بحال، والعرب تضرب المثل للشيء الذي يلزم بالشيء الذي يوضع في العنق، فيقولون: جعلت هذا في عنقك؛ أي: قلّدتك هذا العمل، وألزمتك الاحتفاظ به، وخصّوا العنق؛ لأنه يظهر عليه ما يزين المرء، كالقلائد والأطواق، أو ما يشينه كالأغلال والأوهاق «الحبال تجر بها الدواب».
وخلاصة هذا: أن كل إنسان منكم معشر بني آدم ألزمناه نحسه وسعده، وشقاءه وسعادته بما سبق في علمنا أنه صائر إليه، ونحن نخرج له حين الحساب كتابا يراه منشورا، فيه أعماله التي كسبها في الدنيا، وقد أحصى عليه ربه فيه كل ما أسلف في تلك الحياة، فيقال له: اقرأ كتاب عملك الذي عملته في الدنيا، وكان الملكان يكتبانه، ويحصيانه عليك، وحسبك اليوم نفسك عليك حاسبا، تحسب عليك أعمالك فتحصيها، لا نبتغي عليك شاهدًا غيرها، ولا نطلب محصيًا سواها.