ببركات الدنيا، فهي ليست إلا حول الأقصى، وأما في الداخل فالبركة في كل من المسجدين، بل هي في الحرم أتم، وهي كثرة الثواب بالعبادة فيهما اهـ شيخنا، أي الذي جعلنا حوله البركة لسكانه في معايشهم، وأقواتهم، وحروثهم، وغروسهم، وفي قوله: {بارَكْنا} بعد قوله: {أَسْرى} التفات من الغيبة إلى التكلم، ثم ذكر العلّة التي أسرى به لأجلها فقال: {لِنُرِيَهُ}، أي لكي نري عبدنا محمدًا - صلى الله عليه وسلم - {مِنْ آياتِنا}، أي من عبرنا (?) وأدلتنا ما فيه البرهان الساطع، والدليل القاطع على وحدانيّتنا، وعظيم قدرتنا، والمراد بها، ما أراه الله تعالى في تلك الليلة من العجائب التي من جملتها قطع هذه المسافة الطويلة، في جزء قليل من الليل، وقرأ الجمهور {لِنُرِيَهُ} بالنون، وهو التفات من ضمير الغائب إلى ضمير المتكلم، وقرأ الحسن: {ليريه} بالياء، فيكون الالتفات في {آياتِنا}، {إِنَّهُ} أي إنّ الذي أسرى بعبده {هُوَ السَّمِيعُ} لما يقول هؤلاء المشركون من أهل مكة في إسراء محمد - صلى الله عليه وسلم - من مكة إلى بيت المقدس، أو بكل مسموع، ومن جملة ذلك قول محمد - صلى الله عليه وسلم - وقول أولئك المشركين {الْبَصِيرُ} بما يفعلون، لا تخفى عليه خافية من أمرهم، ولا يعزب عنه شيء في الأرض، ولا في السماء، فهو محيط به علمًا، ومحصيه عددًا، وهو لهم بالمرصاد، وسيجزيهم بما هم له أهل أو بكل مبصر، ومن جملة ذلك ذات رسوله وأفعاله، وذاتهم وأفعالهم، ويقال (?): معنى هذه الجملة {إِنَّهُ}؛ أي: إنّ هذا العبد الذي اختصصناه بالإسراء هو خاصة السميع لكلامنا، البصير لذاتنا، فهو السميع أذنا وقلبا بالإجابة لنا، والقبول لأوامرنا، البصير بصرا، وبصيرة، وتوسيط ضمير الفصل للإشعار باختصاصه - صلى الله عليه وسلم - وحده بهذه الكرامة، ولهذا عقب الله تعالى بقوله: {وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ}.
تحقيق ما قيل في الإسراء والمعراج
اعلم (?): أن هاهنا أمرين: