ضَلَّتْ أمة المسيح حيث ادَّعته إلهًا، أو لأن وصفه بالعبودية المضاف إلى الله تعالى أشرف المقامات والأوصاف.
لا تدعني إلّا بيا عبدها ... فإنّه أشرف أسمائي
{مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ} {من} ابتدائية قال الحسن وقتادة: يعني المسجد نفسه، وهو ظاهر القرآن، وقال عامة المفسرين أسري برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من دار أم هانىء، فحملوا المسجد الحرام على مكة، أو الحرم لإحاطة كل منهما بالمسجد الحرام، أو لأن الحرم كلّه مسجد، وكان (?) الإسراء به ببدنه في اليقظة بعد البعثة، وكان قبلها في المنام كما أنه رأى فتح مكة سنة ست وتحقق سنة ثمان اهـ كرخي، والحكمة في إسرائه إلى بيت المقدس دون العروج به من مكة، لأنه محشر الخلائق، فيطؤه بقدمه، ليسهل على أمته يوم وقوفهم ببركة أثر قدمه، أو لأنه مجمع أرواح الأنبياء، فأراد الله تعالى أن يشرفهم بزيارته - صلى الله عليه وسلم -، وليخبر الناس بصفاته، فيصدّقوه في الباقي اهـ كرخي، وقيل (?): الحكمة في إسرائه - صلى الله عليه وسلم - إلى بيت المقدس، ليحصل له العروج إلى السماء مستويًا من غير تعريج، لما روي عن كعب أنّ باب السماء الذي يقال له: مصعد الملائكة يقابل بيت المقدس، قال: وهو أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلًا وقيل: الحكمة في ذلك، أنّ الشام خيرة الله تعالى من أرضه كما في الحديث الصحيح، فهي أفضل الأرض بعد الحرمين، وأول إقليم ظهر فيه ملكه - صلى الله عليه وسلم -، وقيل غير ذلك.
ثمّ ذكر سبحانه الغاية التي أسري برسوله - صلى الله عليه وسلم - إليها فقال: {إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى}، أي القاصي، وهو بيت المقدس، وأول من بناه آدم بعد أن بنى الكعبة بأربعين سنة كما في «المواهب» فهو أول ما بني على الأرض بعد الكعبة، وسمّي الأقصى لبعد المسافة بينه وبين المسجد الحرام، ولم يكن حينئذ وراءه مسجد، ثم وصف المسجد الأقصى بقوله: {الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ} ونواحيه بالثمار، والأنهار، والأنبياء، والصالحين، فقد بارك الله سبحانه وتعالى حول المسجد الأقصى