بِاللَّهِ}؛ أي: امتنع بالله تعالى وألتجىء إليه من {أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ}؛ أي (?): من المستهزئين بالمؤمنين؛ لأن الهزء والسخرية في أثناء تبليغ أمر الله تعالى جهل وسفه، ودل على أن الاستهزاء بأمر الدين كبيرة، وكذلك بالمسلمين ومن يجب تعظيمه، وأن ذلك جهل، وصاحبه مستحق للوعيد، وليس المزاح من الاستهزاء. وقال علي - رضي الله عنه - لا بأس بفكاهة يخرج بها الإنسان من حد العبوس. روي أنه قدم رجل إلى عبيد الله بن الحسين وهو قاضي الكوفة، فمازحه عبيد الله، فقال: جبتك هذه من صوف نعجة، أو من صوف كبش؟ فقال: أتجهل أيها القاضي؟ فقال له عبيد الله:
وأين وجدت المزاح جهلا؟ فتلا هذه الآية، فأعرض عنه عبيد الله؛ لأنه رآه جاهلا لا يعرف المزاح من الاستهزاء، أو المعنى من المبلّغين عن الله الكذب. اه. «صاوي».
وأصل هذه القصة (?): أنه كان في بني إسرائيل رجل صالح له ابن طفل، وله عجلة أتى بها إلى غيضة، وقال: اللهم! إني استودعك هذه العجلة لابني حتى يكبر، ومات الرجل، فصارت العجلة في الغيضة عوانا؛ أي: نصفا بين المسنّة والشابّة، وكانت تهرب من كل من رآها، فلما كبر الابن كان بارا بوالدته، وكان يقسم الليل ثلاثة أثلاث، يصلي ثلثا، وينام ثلثا، ويجلس عند رأس أمه ثلثا، فإذا أصبح انطلق فاحتطب على ظهره فيأتي به إلى السوق فيبيعه بما شاء الله، ثم يتصدق بثلثه ويأكل ثلثه ويعطي والدته ثلثه، فقالت له أمه يوما: إن أباك قد ورثك عجلة استودعها في غيضة كذا، فانطلق وادع إله إبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، أن يردها عليك،
وعلامتها أنك إذا نظرت إليها يخيّل إليك أن شعاع الشمس يخرج من جلدها، وكانت تلك البقرة تسمّى المذهبة؛ لحسنها وصفرتها؛ لأن صفرتها كانت صفرة زين لا صفرة شين، فأتى الفتى الغيضة فرآها ترعى فصاح بها، وقال: أعزم عليك بإله إبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، فأقبلت تسعى حتى قامت بين يديه، فقبض على عنقها يقودها فتكلّمت البقرة بإذن الله تعالى، وقالت: أيها الفتى البارّ لوالدته! اركبني، فإن ذلك أهون عليك، فقال الفتى: إن أمّي لم تأمرني بذلك، ولكن قالت: خذ بعنقها، فقالت البقرة: بإله