قتل ابن أخيه، أو أخاه، أو ابن عمه لكي يرثه، ثم رماه في مجمع الطريق، ثم شكا ذلك إلى موسى عليه السلام، فاجتهد موسى في تعرف القاتل، فلما لم يظهر قالوا له: سل لنا ربك حتى يبينه؟ فسأله فأوحى الله إليه {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} فتعجبوا من ذلك، ثم شددوا على أنفسهم بالاستفهام حالا بعد حال، واستقصوا في طلب الوصف، فلما تعينت البقرة لم يجدوها بذلك النعت إلا عند إنسان معين، ولم يبعها إلا بأضعاف ثمنها، فاشتروها فذبحوها، وأمرهم موسى أن يأخذوا عضوا منها فيضربوا به القتيل، ففعلوا، فصار المقتول حيا وعين لهم قاتله وهو الذي ابتدأ بالشكاية، فقتلوه قودا، فلم يعط من ماله شيئا، ولم يورث قاتل بعده.
وقد روى الحسن مرفوعا: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: (والذي نفس محمد بيده، لو اعترضوا بقرة فذبحوها لأجزأت عنهم، ولكن شددوا فشدد الله عليهم) (?) وإنّما اختصّ البقر من سائر الحيوانات، لأنهم كانوا يعظمون البقر ويعبدونها من دون الله، فاختبروا بذلك إذ هذا من الابتلاء العظيم، وهو أن يؤمر الإنسان بقتل من يحبه ويعظمه؛ أو لأن أراد تعالى أن يصل الخير للغلام الذي كان بارا بأمه، كما سيأتي.
وقرأ الجمهور (?): {يَأْمُرُكُمْ} بضم الراء، وعن أبي عمرو السكون والاختلاس، وإبدال الهمزة ألفا {قالُوا} كلام مستأنف واقع في جواب سؤال مقدر، كأنه قيل: فماذا صنعوا؟ هل سارعوا إلى الامتثال أولا؟ فقيل: قالوا: {أَتَتَّخِذُنا هُزُوًا}؛ أي: أتجعلنا مكان هزء وسخرية، وتستهزىء بنا وتلعب بنا يا موسى؟ حيث نسألك عن أمر القتيل فتأمرنا بذبح بقرة، ولا جامع بينهما، وإنما قالوا ذلك: لأنهم لم يعلموا أن الحكمة هي حياة القتيل بضربه ببعض البقرة، وإخباره بقاتله. قال بعض العلماء: كان ذلك هفوة منهم وجهالة، فما انقادوا للطاعة وذبحها، وقد كان الواجب عليهم أن يمتثلوا أمره ويقابلوه بالإجلال والاحترام، ثم ينتظروا ما يحدث بعد {قالَ} موسى وهو استئناف أيضا {أَعُوذُ