المذكورة بعده؛ أي: تبين لكم فعلنا العجيب بهم، وليست (?) جملة {كَيْفَ فَعَلْنَا} فاعلًا لـ {تَبَيَّنَ}؛ لأن الاستفهام له صدر الكلام، ولأن {كَيْفَ} لا يكون إلا ظرفًا أو خبرًا أو حالًا، بل فاعله ما دلت هي عليه دلالة واضحة؛ أي: وظهر لكم فعلنا العجيب بهم من الإهلاك والعقوبة جزاء على شركهم وفسادهم. {وَضَرَبْنَا لَكُمُ}؛ أي: وبينا لكم في القرآن العظيم {الْأَمْثَالَ}؛ أي: صفات ما فعلوا وما فعل بهم من الأمور التي هي في الغرابة كالأمثال المضروبة لكل ظالم لتعتبروا بها، وتقيسوا أعمالكم على أعمالهم، ومآلكم على مآلهم، وتنتقلوا من حلول العذاب العاجل إلى حلول العذاب الآجل، فترتدعوا عما كنتم عليه من الكفر والمعاصي يعني: أنكم سمعتم هذا كله في الدنيا، فلم تعتبروا، فلو رجعتم بعد هذا اليوم .. لا ينفعكم الموعظة أيضًا.
والمعنى (?): وأقمتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم واطمأننتم فيها، وسرتم سيرة من قبلكم في الظلم والفساد، لم تفكروا فيما سمعتم من أخبار من سكنوها قبلكم، ولم تعتبروا بأيام الله فيهم، وأنه أهلكهم بظلمهم، وأنكم إن سرتم سيرتهم حاق بكم مثل ما حاق بهم بعد أن تبين لكم ما فعلنا بهم من الإهلاك والعقوبة بمعاينة آثارهم وتواتر أخبارهم، ومثلنا لكم فيما كنتم مقيمين عليه من الشرك الأشباه والنظائر، فلم ترعووا ولم تتوبوا من كفركم.
الآن تسألون التأخير للتوبة حين نزل بكم من العذاب ما نزل، فهيهات هيهات قد فات ما فات، ولن يكون ذلك حتى يلج الجمل في سم الخياط. وقرأ الجمهور (?): {وَتَبَيَّنَ} فعلًا ماضيًا، وفاعله ضمير يعود على ما يفهم من الجملة الاستفهامية المذكورة بعده؛ أي: وتبين لكم فعلنا العجيب. وقرأ السلمي شذوذًا: {ونُبَيِّنُ} بضم النون ورفع النون الأخيرة مضارع بين، ويكون على إضمار ونحن نبين، والجملة حالية. وقال المهدوي عن السلمي أنه قرأ كذلك إلا أنه جزم النون عطفًا على {أوَلَمْ تَكُونُوا}؛ أي: ولم نبين فهو مشارك له في التقرير.