والإضافة فيه للتشريف؛ أي: الذي يحرم فيه ما يستباح في غيره؛ لأنه عظيم الحرمة حرم الله التعرض له بسوء يوم خلق السماوات والأرض، وحرم فيه القتال والاصطياد، وأن يدخل فيه أحد بغير إحرام. وقيل غير ذلك. فإن قلت (?): كيف قال عند بيتك المحرم، ولم يكن هناك بيت حينئذٍ، وإنما بناه إبراهيم بعد ذلك؟ .. قلت: يحتمل أن الله عَزَّ وَجَلَّ أوحى إليه وأعلمه أن له هناك بيتًا قد كان في سالف الزمان، وأنه سيعمر، فلذلك قال: عند بيتك المحرم. وقيل: يحتمل أن يكون المعنى: عند بيتك الذي كان، ثم رفع عند الطوفان. وقيل: يحتمل أن يكون المعنى عند بيتك الذي جرى في سابق علمك أنه سيحدث في هذا المكان.
والمعنى: أي يا رب إني أسكنت بعض ذريتي وهم أولاد إسماعيل بواد غير ذي زرع، وهو وادي مكة عند بيتك الذي حرمت التعرض له والتهاون به، وجعلت ما حوله حرمًا لمكانه. {رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ} كرر النداء (?) لإظهار كمال العناية بما بعده، واللام فيه لام كي متعلقة بـ {أَسْكَنْتُ}؛ أي: ما أسكنتهم بهذا الوادي البلقع الخالي من كل مرتفق ومرتزق إلا لإقامة الصلاة عند بيتك المحرم متوجهين إليه متبركين به بدلالة قوله: {بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ} على أنه لا غرض له دنيوي في إسكانهم عند البيت المحرم، وتخصيص الصلاة بالذكر من بين سائر شعائر الدين لفضلها، ولأن بيت الله لا يسعه إلا الصلاة وما في معناها وهي الأصل في إصلاح النفس، وكان قريش يمتنعون عن ذلك لزيادة كبرهم.
{فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ}؛ أي: قلوب بعض الناس {تَهْوِي إِلَيْهِمْ}؛ أي: تسرع إلى ذريتي بنقل المعاشات إليهم بسبب التجارات، وتحن إليهم لطلب حج البيت لا لأعيانهم، وتطير نحوهم محبة، و {مِنَ} في قوله: {مِنَ النَّاسِ} للتبعيض. وقيل: زائدة، ولا (?) يلزم منه أن يحج اليهود والنصارى بدخولهم تحت لفظ الناس؛ لأن المطلوب توجيه قلوب الناس إليهم للسكون معهم والجلب