يشكو ويجزع كفار في النعمة يجمع ويمنع، واللام في الإنسان للجنس.
والمعنى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}؛ أي: إن الإنسان الذي بدل نعمة الله كفرًا لشاكر غير من أنعم عليه، فهو بذلك واضع للشكر في غير موضعه ذاك أن الله هو الذي أنعم عليه بما أنعم واستحق إخلاص العبادة له، فعبد هو غيره، وجعل له أندادًا ليضل عن سبيله، وذلك هو ظلمه وهو جحود لنعمه التي أنعم بها عليه، لصرفه العبادة إلى غير من أنعم بها عليه، وتركه طاعة من أنعم عليه.
فإن قلت (?): لم ختم الآية هنا بقوله: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} وختمها في سورة النحل بقوله: {إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} فما الفرق بين الختمين؟
قلتُ: إن الله سبحانه وتعالى لما قدم هنا قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا} وذكر بعده: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا} فكان ذلك نصًّا على ما فعلوا من القبائح من كفران النعمة والظلم الذي هو الشرك بجعل الأنداد له تعالى .. ناسب أن يختم الآية هنا بذم من وقع ذلك منه، فقال: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}. وأما في النحل، فلما ذكر عدة تفضلات وأطنب فيها، وقال بعد ذلك: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ}؛ أي: أفمن أوجد هذه النعم السابق ذكرها كمن لا يقدر على الخلق، وعلى كل شيء منه .. ناسب أن يذكر هنا وهناك من تفضلاته اتصافه بالعذاب والرحمة تحريضًا على الرجوع إليه، وأن هاتين الصفتين هو متصف بهما، كما هو متصف بالخلق، ففي ذلك إطماع لمن آمن به، وانتقل من عبادة المخلوق إلى عبادة الخالق في أنه يغفر زلَلَه السابق، ويرحمه. ذكره أبو حيان.
35 - {و} اذكر يا محمد لقومك مذكرًا لهم بأيام الله قصة {إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ} الخليل عليه السلام في مناجاته لربه حين فرغ من بناء البيت {رَبِّ} المحسن إلي بإجابة دعائي {اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ} مكة المشرفة بلدًا {آمِنًا}؛ أي: ذا أمن