هذه الحاجة، فهو من أعظم نعم الله على عباده. قال في "بحر العلوم": اللام فيها للجنس أو للعهد أشير بها إلى خمسة أنهار: سيحون: نهر الهند، وجيحون: نهر بلخ، ودجلة والفرات: نهري العراق، والنيل: نهر مصر، أنزلها الله تعالى من عين واحدة من عيون الجنة، فاستودعها الجبال، وأجراها في الأرض، وسخرها للناس، وجعل فيها منافع لهم في أصناف معاشهم، وسائر الأنهار تبع لها، وكأنها أصولها. انتهى.
33 - {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} حالة كونهما {دَائِبَيْنِ}؛ أي: دائمين في الحركة متصلين في سيرهما لا ينقطعان ولا يفتران؛ أي: لا يضعفان بسبب سيرهما في فلكهما ومقرهما: وهو السماء الرابعة للشمس، وسماء الدنيا للقمر إلى انقضاء عمر الدنيا وقيام الساعة، كما قال تعالى: {لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)} وقال: {يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}.
والمعنى: وسخر لكم الشمس والقمر حالة كونهما دائبين؛ أي (?): مجدين في سيرهما وإنارتهما ودرئهما الظلمات، وإصلاحهما يصلحان الأرض والأبدان والنبات، لا يفتران أصلًا، ويفضل الشمس على القمر؛ لأن الشمس معدن الأنوار الفلكية من البدور والنجوم، وأصلها في النورانية، وأن أنوارهم مقتبسة من نور الشمس على قدر تقابلهم وصفوة أجرامهم.
{وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} يتعاقبان بالزيادة والنقصان؛ والإضاءة والإظلام، والحركة والسكون فيما، فالنهار لسعيكم في أمور معاشكم وما تحتاجون إليه في أمور دنياكم، ولإنضاج الثمار، والليل لتسكنوا فيه ولعقد الثمار، كما جاء في الآية الأخرى: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ}. فالشمس والقمر يتعاقبان، والليل والنهار يتعارضان، فتارة يأخذ هذا من