للسعداء، وما ينال الأشقياء من الخذلان والإضلال جزاء ما كسبت أيديهم من تدسيتهم لأنفسهم باجتراحهم للشرور والآثام، وبين أن كل ذلك يفعله على حسب ما يرى من الحكمة والمصلحة .. ذكر (?) هنا الأسباب التي أوصلتهم إلى سوء العاقبة معجبًا رسوله - صلى الله عليه وسلم - مما صنعوا من الأباطيل التي لا تكاد تصدر ممن له حظ من الفكر والنظر، ولم تكن هذه الطامة خاصة بهم، بل كانت فتنة شعواء عمتهم جميعًا {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً}.
ذاك أنهم بدلوا النعمة كفرًا، والشكر جحدًا، وإنكارًا، وليت البلية كانت واحدة، بل أضافوا إليها أخرى، فاتخذوا لله الأنداد والشركاء، ثم تلبثوا بضلال غيرهم، فكانوا دعاة الكفر وأعوان الفتنة:
فَلَوْ كَانَ هَمٌّ وَاحِدٌ لاحْتَمَلْتُهُ ... وَلَكِنَّهُ هَمٌّ وَثَانٍ وَثَالِثُ
ومن ثم كانت عاقبتهم التي لا مرد لها العذاب الأليم في جهنم وبئس المصير، ثم بين لرسوله - صلى الله عليه وسلم - أن مثل هؤلاء لا تجدي فيه العظة، فذرهم يتمتعوا في هذه الحياة حتى حين، ثم لا بد لهم من النصيب المحتوم.
قوله تعالى: {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ ...} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها (?): أنه سبحانه وتعالى لما ذكر حال الكفار وكفرهم نعمته، وجعلهم له أندادًا، وهددهم .. أمر المؤمنين بلزوم الطاعة والتيقظ لأنفسهم، وإلزام عمودي الإِسلام: الصلاة والزكاة قبل مجيء يوم القيامة.
وعبارة المراغي هنا (?): بعد أن أمر الله سبحانه وتعالى الكافرين على سبيل الوعيد والتهديد بالتمتع بنعيم الدنيا .. أمر عباده المؤمنين بعدم المغالاة في التمتع بها، والجد في مجاهدة النفس والهوى ببذل النفس والمال في كل ما يرفع شأنهم ويقربهم من ربهم، وينيلهم الفوز لديه في يوم لا تنفع فيه فدية ولا صداقة ولا خلة {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)}.