[65]

والتضييع، وقال: {وَاذْكُرُوا ما فِيهِ} وهو المقصود من الكتب الإلهية؛ لأنّ العمدة العمل بمقتضاها لا تلاوتها باللسان، وترتيلها بالأنغام، فإنّ ذلك نبذ لها. قال الغزالي: وما مثل ذلك إلا مثل ملك أرسل كتابا إلى أحد أمرائه، وأمره أن يبني له قصرا في ناحية من مملكته، فلم يكن حظّ الكتاب منه إلا أن يقرأه كل يوم دون أن يبني القصر، أفلا يستحق هذا الأمير بعدئذ العقاب من الملك الذي أرسل به إليه؟

65 - وقوله: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ} خطاب لمعاصري النبي صلّى الله عليه وسلّم من اليهود؛ أي: وبالله قد عرفتم يا بني إسرائيل! {الَّذِينَ اعْتَدَوْا}؛ أي: تجاوزوا الحد ظلما {مِنْكُمْ}؛ أي: من أسلافكم، محلّه نصب على أنه حال {فِي} يوم {السَّبْتِ}؛ أي: جاوزوا ما حدّ لهم فيه من التجرّد للعبادة وتعظيمه، واشتغلوا بالصيد، وأصل السبت القطع؛ لأنّ اليهود أمروا بأن يسبتوا فيه؛ أي: يقطعوا الأعمال، ويشتغلوا بعبادة الله، ويسمّى النوم سباتا؛ لأنه يقطع الحركات الاختيارية، وفيه تحذير وتهديد؛ فكأنّه يقول: إنكم تعلمون ما أصابهم من العقوبة، فاحذروا كيلا يصيبكم مثل ما أصابهم {فَقُلْنا لَهُمْ} قهرا {كُونُوا قِرَدَةً} جمع قرد، كالديكة جمع ديك، وهذا أمر تحويل وتكوين، فهو عبارة عن تعلق القدرة بنقلهم من حقيقة البشرية إلى حقيقة القردة؛ لأنهم لم يكن لهم قدرة على التحول من صورة إلى صورة، وهو إشارة إلى قوله: {إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}؛ أي: لمّا أردنا ذلك صاروا كما أردنا من غير امتناع ولا لبث {خاسِئِينَ}؛ أي: ذليلين، هو وقردة خبران لكان؛ أي: كونوا جامعين بين القرديّة والخسىء، وهو الصغار والطرد.

فإن قلت: كيف أمروا بذلك مع أنه ليس في وسعهم؟.

قلت: هذا أمر إيجاد لا أمر إيجاب، كقوله: {كُنْ فَيَكُونُ} والمعنى؛ أي (?): وعزتي وجلالي، لقد عرفتم عقوبة الذين تجاوزوا الحد في الاصطياد باصطيادهم في يوم السبت الذي نهوا عن الاصطياد فيه، وأمروا بالتفرّغ فيه للعبادة، فقلنا لهم: كونوا وصيروا بقدرتنا قردة؛ أي: حيوانا معروفا خاسئين؛

طور بواسطة نورين ميديا © 2015