سبحانه وتعالى {سَرِيعُ الْحِسَابِ} فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته على السرعة، فعما قريب (?) سيحاسبهم في الآخرة كفاء ما دنسوا به أنفسهم، وران على قلوبهم بارتكاب الآثام بعد أن يعذبهم في الدنيا بالقتل والأسر، فلا تستبطىء عقابهم، فإنه آت لا محالة وكل آت قريب.
42 - ثم بين أن قومه ليسوا ببدع في الأمم، فقد مكر كثير ممن قبلهم بأنبيائهم، فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر، فقال: {وَقَدْ مَكَرَ} الكفار {الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}؛ أي: من قبل كفار مكة بمن أرسله الله إليهم من الرسل، فكادوهم وكفروا بهم، فنمرود مكر بإبراهيم، وفرعون مكر بموسى، واليهود مكروا بعيسى كما مكر أولئك بك في دار الندوة حيث أرادوا قتلك، ثم دارت الدائرة على الظالمين وأهلك الله الظالمين. والمكر: إيصال المكروه للممكور به خفية من حيث لا يشعر.
وفي هذا تسلية لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتصبير بأن العاقبة له لا محالة حيث أخبره أن هذا ديدن الكفار من قديم الزمان مع رسل الله سبحانه، ثم أخبره بأن مكرهم هذا كالعدم، وأن المكر كله لله، فقال: {فَلِلَّهِ الْمَكْرُ} لا اعتداد بمكر غيره، وهذا تعليل لمحذوف تقديره: فلا عبرة بمكرهم ولا تأثير له. ثم فسر سبحانه هذا المكر الثابت له دون غيره، فقال: {يَعْلَمُ} سبحانه {مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ} من خير وشر، فيجازيها على ذلك، ومن علم ما تكسب كل نفس وأعد لها جزاءها .. كان المكر كله له؛ لأنه يأتيهم أو حيث لا يشعرون. وقال الواحدي: إن مكر الماكرين مخلوق، فلا يضر إلا بإرادته. اهـ. فإثباته لهم باعتبار الكسب، ونفيه عنهم باعتبار الخلق، فلا يَرد كيف أثبت لهم مكرًا ثم نفاه عنهم بقوله: {فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا}؛ وفيه تسلية للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأمان له من مكرهم. اهـ. "كرخي". ومكر الله سبحانه وتعالى صفة ثابتة له تعالى نثبته ولا نعطله، لا نمثله ولا نكيفه. وقيل: مكر (?) الله إهلاكهم من حيث لا يشعرون، شبه بمكر الماكر على سبيل الاستعارة.
والمعنى: يعلم (?) سبحانه وتعالى ما تكسب كل نفس، فيعصم أولياءه