صانع العالم ومالكه اتخذتم من دونه تعالى أصنامًا، وعبدتم من غيره تعالى أولياء وأربابًا، لا يستجلبون لأنفسهم نفعًا ولا يدفعون عنها ضررًا، فبالأولى أن يكونوا عاجزين عن تحصيل المنفعة للغير ودفع المضرة عن الغير، فإذا عجزوا عن ذلك كانت عبادتهم محض العبث والسفه، وهو منكر بعيد من مقتضى العقل.

وخلاصة ذلك (?): أفبعد أن علمتم أنه هو الخالق لهذا الخلق العظيم تتخذون من دونه أولياء هم غاية في العجز، وجعلتم ما كان يجب أن يكون سببًا في الاعتراف بالوحدانية، وهو علمكم بذلك سببًا في إشراككم به سواه من أضعف خلقه، وهو بمعنى قوله: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ}.

ثم ضرب الله سبحانه وتعالى مثلًا للمشركين الذين يعبدون الأصنام، والمؤمنين الذين يعترفون بأن لا رب غيره ولا معبود سواه، وأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يقوله لهم، فقال: {قُلْ} لهم يا محمد {هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى} في دينه وهو الكافر {وَالْبَصِيرُ} فيه وهو الموحد، فإن الأول جاهل لما يجب عليه وما يلزمه، والثاني عالم بذلك، والاستفهام فيه للتقريع والتوبيخ. والكلام على التشبيه (?)؛ أي: فكما لا يستوي الأعمى والبصير في الحس، كذلك لا يستوي المشرك الجاهل بعظمة الله وثوابه وعقابه، وقدرته مع الموحد العالم بذلك.

والمعنى: أي قل لهم (?) مصوِّرًا سخيف آرائهم مفنِّدًا قبيح معتقداتهم: هل يستوي الأعمى الذي لا يبصر شيئًا ولا يهتدي لمحجة يسلكها إلا بأن يهدى بدليل، والبصير الذي يهدي الأعمى لسلوك الطريق؟ لا شك أن الجواب أنهما غير متساويين، فكذلك المؤمن الذي يبصر الحق فيتبعه، ويعرف الهدى فيسلكه لا يستوي هو وإياكم، وأنتم لا تعرفون حقًّا ولا تبصرون رشدًا.

ثم ضرب مثلًا للكفر والإيمان بقوله: {أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ} و {أَمْ} هنا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015