وجملة قوله: {وَهُمْ}؛ أي: هؤلاء الكفار مع ظهور هذه الدلائل {يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ} تعالى؛ أي: يخاصمون في الله، وينازعون في شأنه وفيما وصفه به الرسول - صلى الله عليه وسلم - من كمال العلم والقدرة والتفرُّد بالألوهية وإعادة الناس للجزاء على أعمالهم يوم العرض والحساب جملة مستأنفة، أو في محل الحال مِنْ مَنْ وأعاد عليها الضمير جمعًا باعتبار معناها كما في "السمين".
{وَهُوَ}؛ أي: والحال أنه سبحانه وتعالى {شَدِيدُ الْمِحَالِ}؛ أي: شديد (?) المماحلة والمكايدة والمعاقبة لأعدائه؛ أي: شديد الأخذ بالعقوبة يأتيهم من حيث لا يحتسبون ولا يترقبون، وهو القادر على أن ينزل عليهم عذابًا من عنده لا يستطيعون حيلة لدفعه، ولا قوة على رده، لكنه يمهلهم لأجل معلوم بحسب ما تقضيه الحكمة كما صح في الحديث: "إن ربك لا يهمل ولكن يمهل" ومثل الآية قوله: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102)}، وقوله: {ومكروا مكرًا ومكرنا مكرًا وهم لا يشعرون فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين}.
قال ابن جرير في تفسير ذلك (?): والله شديد في عقوبة من طغى عليه، وعتا وتمادى في كفره؛ أي (?): شديد المكر والكيد لأعدائه يهلكهم من حيث لا يحتسبون، من محل بفلان إذا كاده وسعى به إلى السلطان، ومنه تمحل لكذا إذا تكلف في استعمال الحيلة واجتهد فيه، فالجملة حال من الجلالة. وفي هذا تسلية لرسوله - صلى الله عليه وسلم -، فإنه لما نعى على كفار قريش عنادهم في اقتراحهم الآيات الحسية كآيات موسى وعيسى عليهما السلام، وإنكارهم كون الذي جاء به عليه السلام آيةً .. سلاه بما ذكر كأنه قال له: إن هؤلاء لم يقصروا جحدهم وإنكارهم على النبوة، بل تخطوه إلى الألوهية، ألا تراهم مع ظهور الآيات البينات على التوحيد يجادلون في الله باتخاذ الشركاء، وإثبات الأولاد له، ومع إحاطة علمه وشمول