ذلك لمصلحة لا يدركها البشر، فيخفى عليه سرها، وفي معنى الآية قوله: {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ}. وقرأ زيد بن علي: {عالم الغيب} - بالنصب -، وأثبت ابن كثير ويعقوب وأبو عمرو في رواية ياء {الْمُتَعَالِ} وقفًا ووصلًا، وهو الكثير في لسان العرب، وحذفها الباقون وصلًا ووقفًا؛ لأنها كذلك رسمت في الخط. واستشهد سيبويه بحذفها في الفواصل ومن القوافي، وأجاز غيره حذفها مطلقًا، ووجه حذفها مع أنها تحذف مع التنوين وإن تعاقب التنوين، فحذفت مع المعاقب إجراء له مجرى المعاقب. ذكره أبو حيان في "البحر".
10 - ولما ذكر تعالى أنه عالم الغيب والشهادة على العموم .. ذكر تعالى تعلق علمه بشيء خاص من أحوال المكلفين، فقال: {سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ} في نفسه، فلم يظهره على أحد {وَمَنْ جَهَرَ بِهِ}؛ أي: أظهره لغيره. وقال ابن (?) عباس: أي: سواء ما أضمرته القلوب وما أظهرته الألسنة، فهو تعالى يعلم ما أسره الإنسان كعلمه بما جهر به من خير أو شر، فإسرار القول ما حدث به المرء نفسه، والجهر ما حدث به غيره .. فـ {من} (?) مبتدأ خبره {سواء}، و {مِنْكُمْ} حال من ضمير {سَوَاءٌ}؛ لأنه بمعنى مستو، ولم يثن الخبر مع أنه خبر عن شيئين، وهما الشخصان المرادان بـ {من}. والمعنى: مستو في علم الله تعالى من أضمر القول في نفسه، ومن أظهره بلسانه منكم أيها الناس؛ أي: من أسر قوله وأخفاه ولم يتلفظ به، أو جهر به وأظهره؛ فهو سواء عند الله تعالى يسمعه ولا يخفى عليه شيء منه، كما قال: {وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7)} وقال: {وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ}.
{وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ}؛ أي: وسواء في علم الله تعالى من هو مختف مستتر بظلمة الليل {وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ}؛ أي: ومن هو ماشٍ في سربه وطريقه ظاهر بضوء النهار، فكلاهما في علم الله تعالى سواء. وروي عن ابن عباس في تفسير