خافوا من أن يكذبهم الذين قد آمنوا بهم. وحاصل المعنى على قراءة التخفيف؛ أي: وما (?) أرسلنا قبلك إلا رجالًا نوحي من أهل القرى فدعوا من أرسلوا إليهم إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له، فكذبوا بما جاءوهم به، وردوا ما أتوا به من عند ربهم، حتى إذا يئس الرسل من إيمانهم؛ لانهماكهم في الكفر وتماديهم في الطغيان من غير وازع، وظنت الأمم أن الرسل الذين أرسلوا إليهم قد كذبوهم فيما كانوا أخبروهم عن الله من وعده لهم النصر عليهم {جَاءَهُمْ نَصْرُنَا} لهم بهلاك أعدائهم فجأة، وهذه الجملة جواب {إِذَا} في قوله: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ}. والمعنى: إن (?) زمان الإمهال قد تطاول عليهم حتى توهموا أن لا نصر لهم في الدنيا، فجاءهم نصرنا بغتة بغير سبق علامة.
وهذه سنة الله تعالى في الأمم يرسل إليهم الرسل بالبينات (?)، ويؤيدهم بالمعجزات حتى إذا أعرضوا عن الهداية، وعاندوا رسل ربهم، وامتدت مدة كيدهم وعدوانهم، واشتد البلاء على الرسل، واستشعروا بالقنوط من تمادي التكذيب وتراخي النصر .. جاءهم نصر الله فجأة، وأخذ المكذبين العذابُ بغتة كالطوفان الذي أغرق قوم نوح، والريح التي أهلكت عادًا قوم هود، والصيحة التي أخذت ثمود، والخسف الذي نزل بقرى قوم لوط وهم فيها، كما قال تعالى: {أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (70)}. وفي هذا تذكير لكفار قريش بأن سنته تعالى في عباده واحدة لا ظلم فيها ولا محاباة، وأنهم إن لم ينيبوا إلى ربهم .. حل بهم من العذاب ما حل بأمثالهم من أقوام الرسل، كما قال في سورة القمر {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ (43)}. وقد نصر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - في غزوة بدر وما بعدها من الغزوات، وأهلك الجاحدين المعاندين من قومه.