للفاعل موافقًا لقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا}. وقرأ الجمهور بالياء وفتح الحاء مبنيًّا للمفعول.
والهمزة في قوله: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ} للاستفهام التوبيخي الإنكاري داخلة على محذوف، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف وتقديره: أغفلوا عن مكرنا، فلم يسيروا في الأرض؛ أي: أفلم يسر هؤلاء المشركون من أهل مكة ممن يكذبونك ويجحدون نبوتك وينكرون ما جئتهم به من توحيد الله وإخلاص العبادة له {فَيَنْظُرُوا} فيما وطئوا من البلاد {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}؛ أي: كيف صار آخر أمر المكذبين للرسل والآيات ممن كانوا قبلهم من الأمم الماضية كقوم لوط وصالح وسائر من عذبهم الله من الأمم، فيعتبروا بما حل بهم من عذابنا حتى ينزجروا عما هم فيه من التكذيب، وإلا يحيق بهم مثل ما حاق بهم؛ لأن التماثل في الأسباب يوجب التماثل في المسببات، ثم رغب في العمل للآخرة، فقال: {وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا} وهو من إضافة الموصوف إلى صفته كمسجد الجامع، وصلاة الأولى؛ أي: إن الدار الآخرة للذين آمنوا بالله ورسله، واتقوا الشرك به، وارتكاب الآثام والمعاصي خير من هذه الدار للمشركين المنكرين للبعث المكذبين بالرسل، والذين لا حظ لهم من هذه الحياة إلا التمتع بلذاتها. فإن نعيمها (?) البدني أكمل من نعيم الدنيا لدوامه وثباته، ولخلوه من المنغصات والآلام، فما بالك بنعيمها الروحي من لقاء الله ورضوانه وكمال معرفته.
ويحتمل أن يكون قوله: {وَلَدَارُ الْآخِرَةِ} من حذف الموصوف وإقامة صفته مقامه، وأصله: ولدار المدة الآخرة أو النشأة الآخرة، والذي قدمنا تخريج كوفي، وهذا الأخير تخريج بصري. وقرىء شاذًا: {وللدار الآخرة}. وإنما (?) أضاف الدار إلى الآخرة مع أن المراد بالدار هي الجنة؛ وهي نفس الآخرة؛ لأن العرب قد تضيف الشيء إلى نفسه كقولهم: حق اليقين، والحق: هو اليقين نفسه. اهـ. "خازن".