{فَهُوَ كَظِيمٌ}؛ أي: مكظوم مملوء غيظًا وغضبًا على أولاده يردد حزنه في جوفه، ولا يتكلم بسوء، أو مملوء حزنًا ممسك له كاتم له لا يبثه، ومنه كظم الغيظ؛ أي: وهو إخفاؤه، فالمكظوم المسدود عليه طريق حزنه، من كظم السقاء إذا سده على ما فيه.
والحزن: عرض طبيعي للنفس ولا يذم شرعًا إلا إذا بلغ بصاحبه أن يقول أو أن يفعل ما لا يرضي الله تعالى، ومن ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم - عند موت ولده إبراهيم، وقد جعلت عيناه تذرفان، فقال له عبد الرحمن بن عوف: وأنت يا رسول الله؟! "يا ابن عوف إنها رحمة" ثم أتبعها بأخرى، فقال: "إن العين لتدمع وإن القلب ليخشع، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون". رواه الشيخان وغيرهما.
فائدة: وقد اعترض بعض الجهال على يعقوب عليه السلام في قوله: {يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ} فقال هذه شكاية وإظهار جزع، فلا يليق بعلو منصبه ذلك، وليس الأمر كما قال هذا الجاهل المعترض؛ لأن يعقوب عليه السلام شكا إلى الله لا منه، فقوله: {يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ} معناه: يا رب ارحم أسفي على يوسف. وقد ذكر ابن الأنباري عن بعض اللغويين أنه قال: نداء يعقوب بالأسف في اللفظ من المجاز يعني به غير المظهر في اللفظ، وتخليصه: يا إلهي ارحم أسفي، أو أنت رائي أسفي، أو هذا أسفي، فنادى الأسف في اللفظ، والمنادى سواه في المعنى، ولا مأثم إذا لم ينطق اللسان بكلام مؤثم؛ لأنه لم يشك إلا إلى ربه عز وجل. فلما كان قوله: {يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ} شكوى إلى ربه كان غير ملوم في شكواه، وقيل: إن يعقوب لما عظمت مصيبته واشتد بلاؤه وقويت محنته .. قال: يا أسفا على يوسف؛ أي: أشكو إلى الله شدة أسفي على يوسف، ولم يشكه إلى أحد من الخلق بدليل قوله: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ}.
وقال الحسن: كان بين خروج يوسف من حجر أبيه إلى يوم التقيا ثمانون سنة لم تجف عينا يعقوب، وما على وجه الأرض يومئذ أكرم على الله منه.