[84]

84 - {وَتَوَلَّى عَنْهُمْ}؛ أي: أعرض عنهم كراهة لما جاءوا به؛ أي: وأعرض يعقوب عن بنيه حين بلغوه خبر بنيامين، فحينئذ تناهى حزنه واشتد بلاؤه، وبلغ جهده وهيج حزنه على يوسف، فعند ذلك أعرض عنهم.

وقال: {يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ}؛ أي: يا حزني ويا حسرتي على يوسف أقبلي إلي فهذا وقتك، والحال مقتضية لك، فقد كنت أنتظر أن يأتوني من مصر ببشرى لقاء يوسف، فخاب أملي وحلّ محله ذهاب ابني المسلي عنه، ولم يشرك معه بنيامين بالأسف عليه؛ لأن مكان حب يوسف والرجاء فيه قد ملأ سويداء القلب وزواياه، ومحل غيره دون ذلك.

قال الزجاج: الأصل يا أسفي فأبدل من الياء ألفًا لخفة الفتحة، والأسف: شدة الجزع، وقيل: شدة الحزن.

قال يعقوب هذه المقالة لما بلغ منه غاية مبالغة بسبب فراقه ليوسف، وانضمام فراقه لأخيه بنيامين، وبلوغ ما بلغه من كونه أسيرًا عند ملك مصر، فتضاعفت أحزانه وهاج عليه الوجد القديم بما أثاره من الخبر الأخير.

وقد روي عن سعيد بن جبير (?): أن يعقوب لم يكن عنده ما ثبت في شريعتنا من الاسترجاع والصبر على المصائب، ولو كان عنده ذلك لما قال: {يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ}، ومعنى المناداة للأسف طلب حضوره، كأنه قال: تعالَ يا أسفي وأقبل إلي.

{وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ}؛ أي: أصابت عينيه غشاوة بيضاء غطت على البصر مع بقاء العصب الذي يدرك المبصرات سليمًا معافى، أو المعنى: انقلب سواد عينيه بياضًا من كثرة البكاء. قيل: إنه زال إدراكه بحاسَّة البصر بالمرة. وقيل: كان يدرك إدراكًا ضعيفًا من كثرة البكاء، فإن الدمع يكثر عند غلبة البكاء، فتصير العين كأنها بيضاء من بياض الماء الخارج منها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015