[79]

[80]

فلسنا عنده بمنزلته من المحبة والشفقة عنده. ثم عللوا رجاءهم في إجابته بقولهم: {إِنَّا نَرَاكَ} أيها الملك {مِنَ الْمُحْسِنِينَ} إلينا في ميرتنا وضيافتنا وتجهيزنا، فأتم إحسانك إلينا بهذه النعمة، فما الإنعام إلا بالإتمام، أو المعنى: إن من عادتك الإحسان مطلقًا، فاجر على عادتك ولا تغيرها، فنحن أحق الناس بذلك.

79 - فأجابهم يوسف عن مقالتهم هذه بقوله: {مَعَاذَ اللَّهِ} من إضافة المصدر إلى المفعول به؛ أي: نعوذ باللهِ معاذًا من {أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ}؛ أي: إلا من وجدنا صواعنا عنده مدسوسًا في رحله، وهو بنيامين لأنا قد أخذناه بفتواكم: {مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ} فلا يسوغ لنا أن نخل بموجبها.

ولم يقل (?): إلا من سرق متاعنا اتقاءً للكذب؛ لأنه يعلم أنه ليس بسارق {إِنَّا إِذًا} أي: إذا أخذنا غير من وجد متاعنا عنده، وأخذنا بريئًا بمذنب ولو برضاه {لَظَالِمُونَ} من وجهين: مخالفة شرعكم ونص فتواكم، ومخالفة شريعة الملك. قال في "بحر العلوم": {إِذًا} جواب لهم وجزاء؛ لأن المعنى: إن أخذنا بدله ظلمنا، هذا ظاهره، وأما باطنه فهو أن الله أمرني بالوحي أن آخذ بنيامين لمصالح علمها الله في ذلك، فلو أخذت غيره لكنت ظالمًا وعاملًا بخلاف الوحي، فصرت ظالمًا لنفسي.

80 - {فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا}؛ أي: فلما يئس إخوة يوسف غاية اليأس بدلالة صيغة الاستفعال، واستحكم اليأس في أنفسهم {مِنْهُ}؛ أي: من قبول العزيز لشفاعتهم واستعطافهم بعد أن أقام الحجة عليهم بشرعهم وفتواهم، وأنه إن فعل غيره يكون ظالمًا بمقتضى شريعتهم وشريعة ملك مصر {خَلَصُوا}؛ أي: اعتزلوا وانفردوا عن الناس خالصين لا يخالطهم غيرهم حالة كونهم {نَجِيًّا}؛ أي: متناجين متحدثين في تدبير أمرهم، ومتشاورين على أي صفة يذهبون وماذا يقولون لأبيهم في شأن أخيهم إذا رجعوا. وقرأ البزّي عن ابن كثير (?): {اسْتَيْأَسُوا} بوزن استفعلوا من أيس مقلوبًا من يئس، ومعناهما واحد. ودليل القلب كون ياء أيس

طور بواسطة نورين ميديا © 2015