تعالى، وتعجب من قدرته على خَلْقٍ عَفيفٍ مِثله. {مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ}؛ أي: خيانَةٍ في شيء من الأشياء؛ أي: تَنْزِيهًا لله سبحانه وتعالى، ما عَلِمْنَا على يوسف سوءًا، ولا ذَنْبًا يَشِينَهُ ويسوؤه لا قليلًا، ولا كثيرًا في شيء من الأشياء. {قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ} زُليخَا {الْآنَ}؛ أي: في هذا الوقت الحاضر {حَصْحَصَ الْحَقُّ}؛ أي: ظَهَرَ، وتَبَيَّنَ أنه مع يوسف بعد أن كانَ خَفِيًّا؛ أي: إنَّ الحقَّ في هذه القضية كان في رَأْي مَنْ بَلَغهم موزَّع التبعة بيننا معشر النسوة، وبين يُوسُفَ لكل منَّا حِصَّة بقدر ما عرض فيها من شبهة، والآن قد ظَهَرَ الحق في جانب واحد، لا خَفَاءَ فيه، وهُنَّ قد شَهِدْنَ بما علِمْنَ شهادة نَفْي، وها أنا ذَا أشهد على نفْسِي شهادةَ إيجاب بقولي: {أَنَا رَاوَدْتُهُ} وطلبته {عَنْ نَفْسِهِ} لا أنَّه راودني بل اسْتَعْصَمَ، وأعرض عني {وَإِنَّهُ}؛ أي: وإنَّ يوسف {لَمِنَ الصَّادِقِينَ} في قوله: حين افتريت عليه {هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي}.
وإنَّما أقرَّت زُليخَا واعترفت بذنبها، وشَهِدَتْ ببراءة يوسف من الذنب، مُكَافأةً ليوسف على فعله، حيثُ تَرَكَ ذِكْرَهَا، وقال: ما بال النسوة اللَّاتي قَطَّعْنَ أيديهن، مع أنَّ الفِتَنَ كُلَّها إنما نشأت من جهَتِها، وقد عَرَفَتْ أنَّ ذلك لرعاية حقها, ولتعظيمها, ولإخفاء الأمر عليها. وفي هذا الاعتراف شهادةٌ مُريحة من امرأة العزيز، ببراءة يوسف من كلِّ الذنوب، وطهارته من كلِّ العيوب.
52 - {ذَلِكَ} الاعترافُ منّي بالحق له، والشهادة بالصدق الذي علِمْتُهُ منه {لِيَعْلَمَ} يوسف {أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} عنه منذ سجن إلى الآن، فلم أَنَلْ من أمانته، أو أطْعَنَ في شَرَفِه، وعفَّتِه بالغيبة، بل صرَّحَت لأولئك النسوة بأني راودته عن نفسه، فاستعصم، وها أنا ذا أُقِر بهذا أمام الملك، ورجال دولته، وهو غائب عنَّا، وإن كنتُ قد قلت فيه ما قلت في حضرته، ثمَّ بالغت في تأكيد هذا القول فقالت {و} ليعلم يوسف {أَنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ}؛ أي: لا ينفذه، ولا يسدِّدُهُ بل يبطله، ويُزْهِقُهُ، وتكون عاقبته الفَضِيحَةُ، والنَّكال، ولقد كِدنا له، فصرف رَبّهُ عنه كيدنا، وسجَّنَّاه فبَرَّأه الله تعالى، وفَضَحَ مكرنا حتى شَهِدْنَا على أنفسنا في مثل هذا الحفل الرهيب، والمقام المنيف، ببراءته من كل