يَبْحَثُ عنه، ويُهْتَمُّ به؛ أي: واسأله عن حال النسوة اللاتي قطَّعْنَ أيدِيَهُنَّ ليعرِفَ حَقِيقةَ أمره؛ إذ لا أحبُّ أن آتيه، وأنا متَّهَمٌ بقضيَّةٍ عوقبت من أجلِهَا بالسجن، وقد طال مكثِي فيه دُونَ تعرف الحقيقة، ولا البحث في صميم التهمة.

ولم يذكر (?) سيدته تأدُّبًا ومراعاةً لحقها، واحترازًا من مكرها، حيث اعتقدَها مقيمةً في عَدْوَةِ العَداوة، وأما النسوة فقد كان يَطْمَعُ في صَدْعهن بالحقِّ وشهادتهن بإقرارها، بأنها رَاوَدَتهُ عن نفسِهِ {فَاسْتَعْصَمَ}.

قال العلماء (?): إنما أبَى يُوسُفَ عليه السلام أن يخرجَ من السجن، إلا بعد أن يتفحَّص المَلِكُ عن حاله مع النسوة. لتنكشفَ حقيقة الحال، عنده لا سيما عند العزيز، ويَعلم أنه سجِنَ ظُلمًا، فلا يقدِر الحاسد إلى تقبيح أمره، وليظْهَر كمال عقله، وصبْرِه ووقَارِه، فإن مَنْ بَقِيَ في السجن ثنتي عشرة سنةً إذا طلبه الملك، وأمر بإخراجه، ولم يبادر إلى الخروج، وصَبَرَ إلى أن تتبين براءتَهُ من الخيانة في حق العزيز، وأهله دَلَّ ذلك على براءته من جميع أنواع التُّهَمِ. وفي الحديث: "مَنْ كان يؤمن بالله واليوم الآخِر فلا يقِفَنَّ مَوَاقِفَ التُّهَم". ومنه قال عليه السلام للمارين به في معتكفه وعنده بعض نساءه: "هِيَ فُلانةُ" نفيًا للتهمة.

وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه اسْتَحْسَنَ حَزْمَ يُوسُفَ وصَبْره حين دعاه الملك، فلم يُبَادِر إلى الخروج حيث قال عليه السلام: "لقد عَجِبْتُ من يوسُفَ وكرمه، وصبْرِه، والله يَغْفِرُ له حينَ سُئل عن البقرات العِجاف والسمانِ، ولو كنتُ مَكَانَه ما أخبرتهم حتى اشْتَرطت أن يُخْرِجوني، ولقد عَجِبْتُ حين أتاه الرسول فقال: {ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ}، الآية. ولو كنت مكانَه ولبثتُ في السجن ما لَبث .. لأسْرَعْتُ الإجابة، وبادَرْتُهم الباب، وما ابتغيت العذرَ، إنه كان حليمًا ذَا أناة". الحِلْمُ، بكسر الحاء: تأخير مكافأة الظُلّم، والأَناة على وزن القَنَاة: التأني وترك العجلة. قال ابن الملك: هذا ليس إخبارًا عن نبينا عليه الصلاة والسلام بتَضَجُّره، وقلة صبره، بل فيه دلالة على مدح صبر يوسف، وترك الاستعجال بالخروج، لِيَزُولَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015