{أَيُّهَا الصِّدِّيقُ}؛ أي: أيها البالغ غاية الكمال في الصدق، وإنما وَصَفَهُ بذلك، لأنه جَرَّب أحوالَه، وعرف صِدْقه في تأويل رؤياه، ورؤيا صاحبه. وجملةُ مجيء الرسول ليوسف في السجن أربعَ مرات، الأولى في قوله: {فَأَرْسِلُونِ (45) يُوسُفُ}، والثانية في قوله: {فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ}، والثالثة في قوله: {وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51) ذَلِكَ لِيَعْلَمَ} إلخ، والرابعة في قوله: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي} إلخ؛ أي: يا يُوسُفُ البالغُ غَايَةَ الكمال بصدقك في أقوالك وأفعالك، وتأويل الأحاديث وتعبير الأحلام {أَفْتِنَا}؛ أي: أخْبِرنَا، وبيّنَ لنا {فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ}؛ أي: أخْبِرْنا في رؤيا مَنْ رَأَى في منامه سبع بقرات سمان، يَبْتَلِعهُنَّ سبعُ بقرات مهازِيلُ، وفي رؤيا مَن رأى سَبْعَ سُنْبُلاتٍ خضر، وسبعًا أخرى يابسات، فإنّ الملِكَ قَدْ رَأَى هذه الرؤيا، وعَجَز المعبّرون عن تعبيرها. ففي قوله (?): {أَفْتِنَا} مع أن المستفتي واحد إشعارٌ بأن الرؤيا لَيْسَتْ له، بل لغيره ممن له ملابسةٌ بأمور العامة، وأنه في ذلك سَفِيرٌ، ولم يُغَيّر لفظ الملك، وأصاب فيه، إذ قد يكون بعض عبارات الرؤيا متعلقة باللفظ {لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ}؛ أي: إلى الملك ومَنْ عنده من الملأ، وأعود إليهم بفَتْوَاك {لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ} ما تأتي به في تأويل هذه الرؤيا، أو يعلمون فَضْلَكَ ومعرفِتَكَ فنَّ التعبير، فيطلبوك ويُخَلِّصوك من محنتك.
والمعنى: أفتِنا (?) في هذا المنام الذي رآه الملك، وإنّي لأرجو أن يحقِّقَ اللَّهُ أمَلَكَ بالخروج من السجن، وانتفاعَ المَلِكِ وملئه بفضلك، وعِلْمِك، وإنَّما لم يبتَّ الكلامُ فيهما لأنه لم يكن جازمًا بالرجوع، فرُبَّما اخْتَرَمَتْهُ المنية دونه، ولا يُعْلِمهم. ذكره "البيضاوي". وقرأ (?) الجمهورُ: {وَادَّكَرَ} بالدال المهملة المشدَّدة. وقرأ الحسن: {واذكر} بإبدال التاء ذالًا، وإدغام الذال فيها. وقرأ الأشْهَبُ العقيليُّ: {بعد إمَّة} بكسر الهمزة؛ أي: بعدَ نعمة أنْعَم الله عليه بالنجاة من القَتْل. وقال ابن عطية: بعد نعمةٍ أنعم الله بها على يوسف في تقريب إطلاقه