الأهرام لحفظ جثَّتِهم، وما معهم، ولهم معتقدات أُخرى في تلك الحياة، لا تشاكل ما جاء منها على ألسنة الرسل عليهم السلامُ.
38 - قوله: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} معطوف على (تركت). وقرأ (?) الأشهب العقيلي والكوفيون: {آبائي} بإسكان الياء، وهي مروية عن أبي عمرو، وسماهم جميعًا آباء؛ لأنَّ الأجدادَ آباء، وقدَّمَ الجد الأعلى ثم الجدَّ الأقرب، ثم الأب لكون إبراهيم هو أصل هذه الملة التي كان عليها أولاده، ثم تلقاها عنه إسحاق، ثم يعقوبُ. وفي ذكر ذلك ترغيب لصاحبيه في الإيمان بالله، والتوحيد، وتنفير لهما عما هما فيه من الشرك والضلال؛ أي: واتبعت ملةَ آبائي الذين دعوا إلى التوحيد، الخالص، وهم إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب. وعَرَّف (?) شرَفَ نَسَبِه، وأنه من أهل بيت النبوة، لتتقوى رغبتهما في الاستماع منه، والوثوق عليه، وكان فضل إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب أمرًا مشهورًا في الدنيا، فإذا ظَهَرَ أنه ولدهم عظموه، ونظروا إليه بعين الإجلال وأخذوا منه. ولذلك جوِّز للعالم إذا جهلت منزلته في العلم، أن يَصِفَ نَفْسَه، ويعلم الناسَ بفضله حتى يعرف، فيقتبس منه، وينتفع به في الدين، وفي الحديث: "إنّ الله يسألُ الرجلَ عن فضل علمه كما يسأل عن فضل ماله". وقدم ذكر ترك ملة الكفرة على ذكر أتباعه لملة آبائه, لأن التخليَة بالمعجمة متقدمة على التحلية بالمهملة. وفيه إشارة إلى أنَّ الاتباعَ سبب للفوز بالكمالات، والظفر بجميع المرادات.
ثم بيَّن أساسَ الملة التي وَرِثَها عن أولئك الآباءِ الكرام، فكانت يقينًا له بقوله: {مَا كَانَ}؛ أي ما صحَّ، وما استقام، فضلًا عن الوقوع {لَنَا} معاشر الأنبياء لقوة نفوسنا، ووفور علومنا {أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ}؛ أي: شيء كان من ملك أو جنيِّ أو إنسي فضلًا عن الجماد الذي لا يضر ولا ينفع؛ أي (?): لا ينبغي لنا مَعْشرَ الأنبياء أن نشرك بالله شيئًا فنتخذه ربًّا مدبرًا معه، ولا إلَهًا معبودًا