فعل العرافين، والكهَّان، فمن أيْنَ لك هذا العلم، فقال: ما أنا بكاهن؛ وإنما ذلك العلم مما علمني ربي.

وفيه دلالة على أنه له علومًا جَمَّةً ما سَمِعاه قِطْعةً من جملتها، وشعبة من دَوْحَتها.

وكأنَّه قيل: لماذا علمك ربُّك تلك العلوم البديعة؟ فقيل: {إِنِّي}؛ أي: لأني {تَرَكْتُ}؛ أي: رفضتُ من أول أمري {مِلَّةَ قَوْمٍ}؛ أي: دينَ قوم؛ أيَّ قوم كانوا من قوم مصر وغيرهم {لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}؛ أي: لا يُصَدِّقُون بوحدانية الله تعالى. والمراد بالقوم (?) هنا: الكنعانيون وغيرهم من سكان أرض الميعاد، والمصريون الذين هم بينهم، فقد كانوا يعبدون آلهةً منها الشمس، وعجلهم، وفراعنتهم، وكان التوحيد خاصًّا بحكمائهم وعلمائهم. ومعنى تركها أنه تَركَ دخولها، واتباعَ أهلها من عبدة الأوثان على كثرة أهلها. وفي ذلك لفت لأنظارهما لأن يَتْرُكَا تلك الملةَ التي هم عليها.

والمعنى: إني بَرِئْتُ من ملة مَنْ لا يصدق بالله، ولا يقرُّ بوحدانيته، وأنه خَالِقُ السموات والأرض وما بينهما. وعبارة "روح البيان" هنا: والمراد (?) بتركها، الامتناع عنها رَأْسًا، لا تركها بعد ملابستها، وإنما عَبَّرَ بذلك لكونه أدخلَ بحسب الظاهر في اقتدائهما به عليه السلام.

{وَهُمْ بِالْآخِرَةِ} وما فيها من الجزاء {هُمْ كَافِرُونَ}؛ أي: هم مختصون بذلك دون غيرهم، لإفراطهم في الكفر باللهِ تعالى. والمعنى: أي: وهم يكفرون (?) بالآخرة، والحساب، والجزاء على الوجه الذي دعا إليه الأنبياء، إذ أنهم كانوا يصورون حياةَ الآخرة على صور مبتدعةٍ، منها: أنَّ فراعنتهم يعودون إلى الحياة الآخرة بأجسادهم المحنطة، ويَرجع إليهم الحكم والسلطان، كما كانوا في الدنيا، ومن ثَمَّ كانوا يَضَعُونَ معهم في مقابرهم جواهرهم، وحليهم، ويبنون

طور بواسطة نورين ميديا © 2015