يقولوها، وإن كان كلامهم يستلزمُهَا، وهذا من خواص أسلوب الكتاب الكريم، وسرٌّ من أسرار بلاغته.
قوله تعالى: {قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا ...} الآيات، مناسبتها لِمَا قَبْلَها: أنَّ الله سبحانه وتعالى لمَّا ذَكَرَ شُبهَاتِهم في رَفْضِ نبوة نوح عليه السلام، ورَد نوحٍ عليهم بما فيه مقنع لهم لو كانوا يعقلون .. ذَكَرَ هنا مقالتَهم التي تَدُلُّ على العجز والإفحام، وأنَّ الحِيَلَ قد ضَاقَتْ عليهم، فلم يَجِدُوا للردِّ سبيلًا في ذلك إيماءً إلى أنَّ الجدال في تقرير أدلة التوحيد، والنبوة والمعاد، وفي إزالة الشبهات عنها هيَ وظيفة الأنبياء، والتقليد، والجهلُ والإصرار على الباطل والإنكار والجحودُ هو دَيْدَنُ الكفار المعاندين.
التفسير وأوجه القراءة
18 - والاستفهام في قوله: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} للإنكار؛ أي: لا أحَدَ أشدُّ ظلمًا لنفسه ولغيره ممن افترى واخْتَلَق على الله كذبًا في أقواله، أو أفعاله، أو أحكامه، أو صفاته، أو في اتخاذ الشفعاء والأولياء له بدون إذنه، أو في زعم أنه اتخذ له ولدًا من الملائكة كالعرب الذين قالوا: الملائكة بنات الله، والنصارى الذين قالوا: المسيح ابن الله، أو في تكذيب ما جاء به رُسُلُه من دينه، لصد الناس عن سلوك سبيله.
واللفظ (?) وإن كان لا يقتضي إلا نفيَ وجود من هو أظلم منهم كما يفيده الاستفهام الإنكاري، فالمقامُ يفيدُ نَفْيَ المساوي لهم في الظلم، فالمعنى على هذا لا أحد مِثْلَهم في الظلم فَضْلًا عن أن يُوجَد من هو أظلم منهم، والإشارةُ بقوله {أُولَئِكَ} إلى الموصوفين بالظلم المتبالغ؛ أي: أولئك المُفتَرُونَ على الله الكذبَ {يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ} يوم القيامة للمحاسبة عرضًا تظهرُ به فضيحَتُهم؛ أي: يساقون إلى الأماكن المعدَّة للحساب، والسؤال، أو المعنى تعْرَضُ أعمالُ هؤلاء، وأقوالُهم على ربهم لمحاسبتهم {وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ} الذين يقومون للشهادة