{وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ}؛ أي: ومن يكفر بهذا القرآن فيَجْحَدُ أنه من عند الله {مِنَ الْأَحْزَابِ}؛ أي: ممن تحزّبوا، وتجمَّعوا من أهل مكة، وزُعماء قريش للصدِّ عنه، قال مقاتل: هم بَنُو أمية، وبنو المغيرة بن عبد الله المخزومي، وآلُ طلحة بن عُبيد الله، وقيل: من (?) جميع الكفار وأصحاب الأديان المختلفة، فتدخلُ فيه اليهودُ والنصارَى، والمجوس وعبدة الأوثان، وغيرهم، والأحزاب هم الفرق الذين تحزَّبوا، وتجمَّعوا، واتفقُوا على مخالفة الأنبياء {فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ}؛ أي: مكان وعده في الآخرة، ومصيرُهُ وموردُه يَرِدُها لا محالةَ، وهي التي فيها ما لا يوصف من أفانين العذاب، فإنه يصير إلى جهنم من جَرَّاء تكذيبه لوعيده الذي جاء في نحو قوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ}.

روى البغوي بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "والذي نفسُ محمَّد بيده، لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمة، ولا يهودي، ولا نصراني، ومات، ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار". قال سعيد بن جبير: ما بلغني حديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على وجهه إلَّا وجدت مصداقه في كتاب الله عَزَّ وَجَلَّ حتى بَلَغني هذا الحديث: "لا يسمع بي أحد من هذه الأمة" الحديثَ، قال سعيد: فقلت: أيْنَ هذا في كتاب الله؟ حتَّى أتيت على هذه الآية: {وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى} إلى قوله عز وجل: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ} قال: فالأحزاب أهلُ الملل كلها {فَلَا تَكُ} يا محمَّد {فِي مِرْيَةٍ}؛ أي: في شك {مِنْهُ}؛ أي: من القرآن {إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} نَزَل به جبريل إن قلنا: إنه متعلق بما قبله من قوله: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} أو المعنى: فلا تكن في شك من أنَّ مصيرَ من كفر بالقرآن النار، إنَّ هذا الوعدَ هو الحق الثابتُ مِمَّن يربيك في دينك ودنياك، إن قلنا: إنه راجع إلى قوله: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ} والخطاب في قوله: {فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ} للنبي - صلى الله عليه وسلم -، والمراد به غيره؛ لأنَّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لم يشُك قط، وقيل: الخطابُ لكل مكلف؛ أي: فلا تكن (?) أيها المكلف في شك من أمر هذا القرآن، إنه الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015