قال: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30)}.

ثم عَلَّلَ خَلْقَهُ بما ذكر ببعض حِكَمِهِ الخاصَّة بالمكلفين المخاطبين بالقرآن، فقال: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} و (اللام) فيه متعلقة بـ {خَلَقَ} أي: خلق (?) السموات والأرض، وما فيهما، ورتب فيهما جميع ما تحتاجون إليه من مبادئ وجودكم، وأسباب معايشكم، وأودعَ فيهما ما تستدلون به على مطالِبكم الدينية، ليعامِلَكم معاملةَ من يختبركم، فيُظْهِر أيُّكُم أحسنُ عملًا؛ أي: عقلًا، وأورع عن محارم الله، وأسْرَع في طاعة الله، فإنَّ لكل من القلب والقالب عملًا مخصوصًا به.

أيْ (?): خَلَقَ هذه المخلوقات ليبتليَ عِبَادَهُ بالاعتبار، والتفكر، والاستدلال على كمال قدرته, وعلى البعث، والجزاء أيهم أحسنُ عملًا، فيما أُمِر به، ونهي عنه، فيجازي المحسنَ بإحسانه، والمسيءَ بإساءته، ويُوفِّر الجزاءَ لِمَنْ كان أَحْسن عملًا من غيره، وَيدْخُل في العمل الاعتقاد؛ لأنه من أعمال القلب، وقيل: المراد بالأحسن عملًا الأتمُّ عقلًا، وقيل: الأزْهَدُ في الدنيا، وقيل: الأكثر شكرًا، وقيل: الأتْقَى لله.

أي: ليجعلَ ذلك ابتلاءً واختبارًا لكم فيظهرَ أيكم أحسنُ إتقانًا لما يعمله لنفسه، وللناس، ذاك أنه تعالى سَخَّر لنا ما في الأرض، وجعلنا مستعدينَ لإبرازِ ما أَوْدَعَه فيها من منافعَ وفوائدَ ماديةٍ ومعنويةٍ، ومستعدِّين للإفساد، والضرر ليجزيَ كل عامل بما يعمل، ثمَّ لما كان الابتلاء يتضمَّن حديثَ البعث، أَتْبَعَ ذلك بذكره، فقال: {وَلَئِنْ قُلْتَ}؛ أي: وعزتي وجَلالي، لئن قُلْتَ: يا محمَّد لهؤلاء الكفار من قومك على ما توجبه قضيَّة الابتلاء {إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ} للحساب، والجزاء، فيُجَازَى المحسنُ بإحسانه، والمسيءُ بإساءته، وقرأ (?) عيسى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015