منهم على المئتين، والألف على الألفين، وإنَّ هذه رخصة خاصة بحال الضعف، كما كان الحال كذلك في الوقت الذي نزلت فيه هذه الآيات، وهو وقت غزوة بدر، حين كان المؤمنون لا يجدون ما يكفيهم من القوت، ولم يكن لديهم إلا فرسٌ واحدٌ، وأنهم خرجوا بقصد لقاء العير غير مستعدِّين للحرب، وكانوا أقل من ثلث المشركين الكاملي الأهبة والعدة.
ولمَّا كملت للمؤمنين القوة .. كانوا يقاتلون عشرة أضعافهم أو أكثر وينتصرون عليهم، وما تمَّ لهم فتح ممالك الفرس والروم وغيرهم إلا بذلك.
وكان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عهده ومن بعده القدوة في ذلك، فقد كان الجيش الذي أرسل إلى مؤتة من مشارف الشام للقصاص ممن قتلوا رسوله الحارث بن عمير الأزدي ثلاثة آلاف، وكان الجيش الذي قاتلهم من الروم ومتنصرة العرب مئةً وخمسين ألفًا.
وقد (?) قيل في نكتة التنصيص على غلب العشرين للمئتين، والمئة للألف: أنَّ سراياه - صلى الله عليه وسلم - التي يبعثها كان لا ينقص عددها عن العشرين، ولا يجاوز المئة، وقيل: في التنصيص فيما بعد ذلك على غلب المئة للمئتين، والألف للألفين: بشارةٌ للمسلمين بأنَّ عساكر الإِسلام يجاوز عددها العشرات والمئات إلى الألوف، ثم أخبرهم بأن هذا الغلب هو بإذن الله وتسهيله وتيسيره، لا بقوتهم ولا جلادتهم، ثم بشرهم بأنَّه مع الصابرين، وفيه الترغيب إلى الصبر، والتأكيد عليهم بلزومه، والتوصية به، وأنه من أعظم أسباب النجاح والفلاح والنصر والظفر؛ لأنَّ من كان الله معه .. لم يستقم لأحد أن يغلبه. وقد اختلف أهل العلم: هل هذا التخفيف نسخ أم لا؟ ولا يتعلق بذلك كثير فائدة.
وقرأ الأعمش (?): {حرص} - بالصاد المهملة - وهو من الحرص، وهو قريب من قراءة الجمهور - بالضاد -.
وقرأ الكوفيون: {يكن منكم مئة} على التذكير فيهما، ورواها خارجة عن