الشوط رجب على الواحد أن يثبت للعشرة.
والباء في قوله: {بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ} سببية متعلقة بـ {يَغْلِبُوا} في الموضعين، أي أنتم تغلبونهم وهم بهذه النسبة، بسبب أنهم، أي: أنَّ الكفار قوم جهلة بالله تعالى وباليوم الآخر، لا يفقهون ما تفقهون من حكمة الحرب، وما يراد بها من مرضاة الله عز وجل إقامة سننه العادلة، وإصلاح حال عباده بالعقائد الصحيحة والأخلاق الفاضلة، عن وجوب مراعاة أحكامه وسننه بإعداد كل ما يستطاع عن قوة، وعن كون غاية القتال عند المؤمنين إحدى الحسنيين: النصر والغنيمة الدنيوية، أو الشهادة والسعادة الأخروية. وأنتم تقاتلون امتثالًا لأمر الله تعالى، وإعلاءً لكلمته، وابتغاءً لمرضاته, وهم إنما يقاتلون للحمية الجاهلية وإثارةً للعدوان، وهم يعتمدون على قوتهم، والمسلمين يستغيثون بربهم بالتضرع، ومن كان كذلك .. كان النصر أليق به.
وبالجملة: فحالهم يخالف حالكم في كل ما تقدَّم، لا سيما منكري البعث والجزاء منهم، كمشركي العرب في ذلك العصر واليهود الذين أعمتهم المطامع المادية وحب الشهوات، فهم أحرص على الحياة منكم؛ لعدم اعتقادهم بسعادةٍ أخرويةٍ إلَّا أن أهل الكتاب يظنون أنَّهم يحصلون عليها بنسبهم وشفاعة أنبيائهم.
وفي الآية (?) إيماءٌ إلى أن من شأن المؤمنين أن يكونوا أعلم من الكافرين بكل ما يتعلق بحياة البشر وارتقاء الأمم، ومن ثم كانت المئة من الكافرين دون العشرة عن المؤمنين الصابرين، وهكذا كان المسلمين في العصور الأولى، حين كانوا يعملون بهداية دينهم وكانوا بها أرباب ملك واسع وعزٍ وجاه عريضٍ، ودانت لهم الشعوب الكثيرة، حتى إذا ما تركوا هذه الهدية .. زال مجدهم وسؤددهم، وذهبت ريحهم , ونزع منهم أكثر ذلك الملك.
66 - ثم لما شقَّ ذلك عليهم واستعظموه .. خفف عنهم، ورخص لهم؛ لما علمه سبحانه من وجود الضعف فيهم، فقال: {الآنَ}؛ أي في هذا الزمن الحاضر الذي قل فيه عددكم