والضميران في {لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} الظاهر عودهما على {مَنْ خَلْفَهُمْ}؛ أي: إذا رأوا ما حلَّ بالناقضين تذكروا اهـ. "سمين".
وقرأ الأعمش بخلاف عنه (?): {فشرِّذ} - بالذال المعجمة - بدل الدال المهملة، وكذا في محصف عبد الله، قالوا: ولم نحفظ هذه المادة في لغة العرب، وقال الزمخشري: فشرِّذ - بالذال المعجمة - بمعنى ففرِّق، وقال قطرب: - بالذال المعجمة - التنكيل، - وبالمهملة - التفريق.
وقرأ أبو حيوة والأعمش بخلاف: {مِنْ خلِفهم} جارًا ومجرورًا، ومفعول {فشرِّد} محذوف؛ أي: ناسًا من خلفهم يعملون مثل عملهم، أو فشرد أمثالهم من الأعداء.
والخلاصة (?): أنَّك تدرك هؤلاء الناقضين لعهدهم وتظفر بهم في الحرب .. فنكِّل بهم أشد التنكيل؛ حتى يكون ذلك سببًا لشرود من وراءهم من الأعداء وتفرقهم، فيكون مثلهم مثل الإبل الشاردة النادة عن أمكنتها، وإنّما أمر الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - بالإثخان في هؤلاء الأعداء الذين تكررت مسالمته لهم وتجديده لعهدهم بعد نقضه؛ لئلا ينخدع مرةً أخرى بكذبهم؛ لما جبل عليه من الرحمة، وحب السلم. واعتبار الحرب ضرورةً تترك إذا زال سببها كما قال تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا}، وهم قد أوهموه المرة بعد المرة أنَّهم يرغبون في السلم، واعتذروا عن نقضهم العهد، وكانوا في ذلك مخادعين.
{لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ}؛ أي: لعل من خلفهم من الأعداء يذكرون النكال، فيمنعهم ذلك من نقض العهد ومن القتال.
روى البخاري ومسلم أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب في بعض أيامه التي لقي فيها العدو فقال: "أيها الناس، لا تمنوا لقاء العدو، واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم .. فاصبروا، واعلموا أنَّ الجنة تحت ظلال السيوف". ثم قال: "اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم".