[46]

قلتُ: المراد من الثبات هو: الثبات عند المحاربة والمقاتلة في الجملة، وآية التحرف والتحيز لا تقدح في حصول هذا الثبات في المحاربة، بل ربما كان الثبات لا يحصل إلا بذلك التحرف والتحيز.

46 - {وَأَطِيعُوا اللَّهَ} سبحانه وتعالى فيما أمركم به من الأسباب الموجبة للفلاح في القتال وفي غيره، {و} أطيعوا {رسوله} - صلى الله عليه وسلم - كذلك، فهو المبين لكلام ربه، والمنفذ له بالقول والعمل والحكم، وهو القائد الأعظم في القتال، فطاعته هي جماع النظام، والنظام ركن من أركان الظفر، وهو المشاور لكم في الرأي والتدبير والاستشارة في الأمور. {وَلَا تَنَازَعُوا}؛ أي: ولا تختلفوا في أمر القتال كما فعلتم في أحد {فَتَفْشَلُوا}؛ أي: فتجبنوا عن القتال؛ فإن التنازع والاختلاف يوجب الفشل والضعف والجبن. {وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}؛ أي: شدتكم وقوتكم ودولتكم. وقرأ أبو حيوة وأبان وعصمة عن عاصم: {ويذهب} بالياء ونصب الباء، وقرأ الحسن وإبراهيم: {فَتَفْشَلُوا} بكسر الشين. قال أبو حاتم: وهذا غير معروف. وقال غيره: هي لغة؛ أي: لا يكن منكم تنازعٌ واختلافٌ؛ فإن ذلك مدعاةٌ للفشل والخيبة وذهاب القوة فيتغلب عليكم العدو.

وأصل الريح (?): الهواء المتحرك، ثم استعيرت للقوة والغلبة؛ لأنه لا يوجد في الأجسام ما هو أقوى منها، فهي تهيج البحار وتقتلع الأشجار وتهدم الدور والقلاع، ومن ثم يقال: هبت رياح فلان: إذا جرى أمره على ما يريد، كما يقال: ركدت رياحه: إذا ضعف أمره. ومن استعارة (?) الريح للدولة والقوة قول الشاعر:

إِذَا هَبَّتْ رِياحُكَ فَاَغتَنِمهَا ... فَإنَّ لِكُلِّ عَاصِفَةٍ سُكُوْنَا

وقال شاعر الأنصار:

قَدْ عَوَّدَتْهُم صَبَاهُم أنْ يَكُونَ لَهُم ... رِيْحُ اَلْقِتَالِ وَأسْلاَبُ اَلَّذِيْنَ لَقُوْا

وقيل: المراد بالريح: ريح الصبا؛ لأن بها كان ينصر النبي - صلى الله عليه وسلم -، كما يدل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015