وقيل: اللام في قوله: {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} متعلقة بمحذوف تقديره؛ أي: إن (?) الله سبحانه وتعالى كتب النصر والغلب لعباده المتقين، والخذلان والحسرة لمن يعاديهم ويقاتلهم من الكفار، للصد عن سبيل الله، ليميز الكفر من الإيمان، والحق والعدل من الجور والطغيان، وهذا التمييز بين الأمرين في سنن الاجتماع هو بقاء أمثل الأمرين وأصلحهما {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} وسنن الله في الدنيا والآخرة واحدة، فالخبيث في الدنيا خبيث في الآخرة، ومن ثم قال: {وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ} الآية؛ أي: ويجعل الله الخبيث بعضه منضما متراكبا على بعض بحسب سنته تعالى في اجتماع المتشاكلات، واختلاف المتناكرات، كما جاء في الحديث: «الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف» ثم يجعل أصحابه في جهنم إلى يوم القيامة، وبئس المصير لمن خسر نفسه وماله.
38 - {قُلْ} يا محمد {لِلَّذِينَ كَفَرُوا}؛ أي: لهؤلاء الكفار الذين آذوك وصدوا عن سبيل الله من كفار مكة، كأبي سفيان وأصحابه، وغيرهم من سائر الكفار، وفي «الكشاف»: قل لأجلهم هذا القول وهو: {إِنْ يَنْتَهُوا} وينزجروا ويرجعوا عما هم عليه من عداوتك وعنادك بالصد عن سبيل الله {يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ}؛ أي: يغفر الله سبحانه وتعالى لهم ما سلف، وسبق منهم من عداوتك، وصدهم عن سبيل الله، وغير ذلك من سائر الذنوب، فلا يعاقبهم على شيء من ذلك في الآخرة، ويغفر لهم الرسول والمؤمنون، فلا يطالبون قاتلا منهم بدم، ولا سالبا أو غانما بسلب ولا غنم.
وفي مصحف ابن مسعود (?): {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا} بالتاء المثناة من فوق {يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ} خطابا لهم، وقرىء {يغفر} مبنيا للفاعل والضمير لله تعالى.