افتراها، إذ لم يكونوا يتهمونه بالكذب، كما قال تعالى: {فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} لأنهم يعلمون أنه أمي لم يتعلم شيئا، بل قالوا ذلك ليصدوا العرب عن القرآن، وقد كان زعماء قريش كالنضر بن الحارث، وأبي جهل، والوليد بن المغيرة، يتواصون بالإعراض عن سماع القرآن، ويمنعون الناس عنه خوفا من استمالة الناس إليه، لما رأوا من شدة تأثيره وسلطانه على القلوب، حتى قال الوليد بن المغيرة: كلمته المشهورة: إنه يعلو ولا يعلى عليه، وإنه يحطم ما تحته.
32 - {وَ} اذكر يا محمد قصة {إِذْ قالُوا}؛ أي: قصة إذ قال هؤلاء الذين كفروا من قومك دعاء على أنفسهم {اللَّهُمَّ إِنْ كانَ} هذا القرآن وما يدعو إليه محمد صلى الله عليه وسلّم من التوحيد {هُوَ الْحَقَّ} والصدق حالة كونه منزلا {مِنْ عِنْدِكَ} ليدين به عبادك كما يدعي محمد صلى الله عليه وسلّم {فَأَمْطِرْ عَلَيْنا}؛ أي: فأنزل علينا {حِجارَةً مِنَ السَّماءِ} عقوبة على إنكارنا، قالوا هذه المقالة مبالغة في الجحود والإنكار {أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ}؛ أي: وجيع غير الحجارة، قاله النضر بن الحارث استهزاء، وقد أسره المقداد يوم بدر، فقتله النبي صلى الله عليه وسلّم، أو قاله أبو جهل وقد ذبحه ابن مسعود يوم بدر، وقرأ الجمهور: {هُوَ الْحَقَّ} بالنصب جعلوا {هُوَ} فصلا، وقرأ الأعمش، وزيد بن علي بالرفع، وهي جائزة في العربية، وفي هذا (?) إيماء إلى أنهم لا يتبعونه، وإن كان هو الحق المنزل من عند الله، بل يفضلون الهلاك بحجارة يرجمون بها من السماء، أو بعذاب أليم سوى ذلك كما أن فيه تهكما وإظهارا للحزم واليقين، بأنه ليس من عند الله، وحاشاه، ومنه يعلم أيضا أن دعاءهم كفر وعناد، لا لأن ما يدعوهم إليه قبيح وضار.
روي أن معاوية قال لرجل من سبأ: ما أجهل قومك حين ملكوا عليهم امرأة! فقال: أجهل من قومي قومك حين قالوا: {اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ} ولم يقولوا: فاهدنا له.