[31]

إنهم احتالوا في إبطال أمر محمد صلى الله عليه وسلّم والله سبحانه وتعالى أظهره وقواه ونصره، فضاع فعلهم وتدبيرهم، وظهر فعل الله وتدبيره، وسمي (?) ما وقع منه تعالى من التدبير مكرا مشاكلة بما وقع منهم من المكر {وَاللَّهُ} سبحانه وتعالى {خَيْرُ الْماكِرِينَ}؛ أي: أفضل المجازين لمكر الماكرين بمثل فعلهم، فهو تعالى يعذبهم على مكرهم من حيث لا يشعرون، فيكون ذلك أشد ضررا عليهم، وأعظم بلاء من مكرهم، لأن مكره تعالى نصر للحق، وإعزاز لأهله، وخذلان للباطل وحزبه، وفي الآية: إيماء إلى أن هذه حالهم الدائمة في معاملته صلى الله عليه وسلّم ومن تبعه من المؤمنين.

31 - ولما قص الله سبحانه وتعالى مكرهم في ذات محمد صلى الله عليه وسلّم .. قص علينا مكرهم في دين محمد صلى الله عليه وسلّم فقال: {وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ}؛ أي: وإذا قرأت على هؤلاء الذين كفروا {آياتُنا} القرآنية الواضحة، لمن شرح الله صدره لفهمها {قالُوا} جهلا منهم، وعنادا للحق، وهم يعلمون أنهم كاذبون {قَدْ سَمِعْنا} ما قال محمد صلى الله عليه وسلّم من الآيات، أو قد سمعنا مثل ما قال محمد من التوراة والإنجيل، وقد تنازع هذا العامل مع قوله: {لَقُلْنا} في قوله: مثل هذا {لَوْ نَشاءُ} القول {لَقُلْنا مِثْلَ هذا} الذي تلي علينا محمد صلى الله عليه وسلّم {إِنْ هذا}؛ أي: ما هذا القرآن الذي تلاه محمد صلى الله عليه وسلّم علينا {إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ}؛ أي: إلا أكاذيب الأولين، وأخبار الماضين، من القرون الخالية أي ما سطروه وكتبوه من القصص والأخبار.

والمعنى: ما هذا القرآن إلا ما كتب الأولون من القصص؛ أي: إنّ أخبار القرآن عن الرسل، وأقوامهم تشبه قصص أولئك الأمم، فهم يستطيعون أن يأتوا بمثلها، فما هي من خبر الغيب الدال على أنه وحي من الله، وقد كان النضر بن الحارث أول من قال هذه الكلمة، فقلده فيها غيره، لأنه كان يأتي الحيرة - بكسر الحاء بلدة بقرب الكوفة - يتجر، فيشتري كتب أخبار الأعاجم، ويحدث بها أهل مكة، ولكنهم لم يكونوا يعتقدون أنها أساطير مختلقة، وأن محمدا هو الذي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015