وبعد أن ذكر خذلانهم وإضعاف كيدهم: انتقل منه إلى توبيخهم على استنصارهم إياه على رسول الله صلى الله عليه وسلّم وقد روى محمد بن إسحاق عن الزهري أن أبا جهل قال يوم بدر: اللهم أينا كان أقطع للرحم، وأتى بما لا يعرف، فأحنه (?) الغداة، فكان ذلك منه استفتاحا.
19 - وقال السدي: كان المشركون حين خرجوا من مكة إلى بدر، أخذوا بأستار الكعبة، فاستنصروا الله، وقالوا: اللهم انصر أعلى الجندين، وأكرم الفئتين، وخير القبيلتين، فأجابهم الله تعالى بقولهم: {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا}؛ أي: إن تطلبوا الفتح والنصر لأعلى الجندين، وأهداهما {فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ} والنصر لأعلاهما وأهداهما، وهذا من قبيل التهكم بهم، لأنه قد جاءهم الهلاك والذلة.
{وَإِنْ تَنْتَهُوا} وتنزجروا عن عداوة النبي صلى الله عليه وسلّم وقتاله {فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}؛ أي: فالانتهاء خير لكم، لأنكم قد ذقتم من الحرب ما ذقتم من قتل وأسر بسبب ذلك العدوان.
{وَإِنْ تَعُودُوا} إلى حربه وقتاله {نَعُدْ} إلى مثل ما رأيتم من الفتح له عليكم حتى يجيء الفتح الأعظم، الذي به تدول الدولة للمؤمنين عليكم، وبه يذل شرككم، وتذهب ريحكم {وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ}؛ أي: ولن يدفع عنكم رهطكم {شَيْئًا} من بأس الله، وشديد نقمته، ولو كثرت عددا إذ لا تكون الكثرة وسيلة من وسائل النصر أمام القلة، إلا إذا تساوت معها في أمور كثيرة، كالصبر والثبات، والثقة بالله تعالى، فهو الذي بيده النصر والقوة.
قال الحسن ومجاهد والسدي (?): وهذا خطاب للكفار على سبيل التهكم بهم، والمعنى: إن تستنصروا أيها الكفار لأعلى الجندين فقد جاءكم النصر لأعلاهما، وقد زعمتم أنكم الأعلى، فالتهكم في المجيء، أو: فقد جاءكم الهزيمة، فالتهكم في نفس الفتح، وإن تنتهوا عن قتال الرسول وعداوته وتكذبيه