أبو بكر رضي الله عنه في أول خطبة له: أما بعد: فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإذا استقمت فأعينوني، وإذا زغت فقوموني. وقال الخليفة الثاني على المنبر: من رأى منكم فيّ اعوجاجا فليقومه. وقال الخليفة الثالث على المنبر أيام الفتنة: أمري لأمركم تبع. وقوله: {الظَّالِمِينَ} يشمل الظالمين لأنفسهم والظالمين للناس من الحكام وغيرهم؛ إذ كل من هؤلاء وأولئك يتولى من يشاكله في أخلاقه وأعماله، وينصره على من يخالفه.
130 - ثم أجاب سبحانه وتعالى عن سؤال يخطر بالبال، وهو: ما حال الظالمين إذا قدموا على الله يوم القيامة؟ فأجاب بأنهم يسألون، فقال: {يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} وهذا شروع (?) في حكاية ما سيكون من توبيخ المعشرين بما يتعلق بخاصة أنفسهم إثر حكاية توبيخ معشر الجن بإغواء الإنس وإضلالهم إياهم؛ أي: ويوم نحشرهم جميعا نقول توبيخا لهم وتقريرا: يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل من مجموعكم؛ أي: من بعضكم؛ وهو الإنس، والاستفهام فيه للتوبيخ والتقريع. والصحيح (?) أن الرسل إنما كانت من الإنس خاصة، وقد قام الإجماع على أن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل للإنس والجن كافة، والمراد برسل الجن هم الذين سمعوا القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ولوا إلى قومهم منذرين، فالمراد بالرسل ما يعم رسل الرسل، فالله تعالى إنما بكت الكفار بهذه الآية؛ لأنه تعالى أزال العذر وأزاح العلة بسبب أنه تعالى أرسل الرسل إلى الكل مبشرين ومنذرين، فإذا وصلت البشارة والنذارة إلى الكل بهذا الطريق .. فقد حصل ما هو المقصود من إزاحة العذر وإزالة العلة. وقد زعم (?) قوم أن الله أرسل للجن رسولا منهم يسمى يوسف.
وقرأ الأعرج: {ألم تأتكم} على تأنيث لفظ رسل بالتاء. والجن عالم غيبي لا نعرف عنه إلا ما ورد به، وقد دل الكتاب الكريم وصحيح الأحاديث على أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل إليهم، كقوله تعالى حكاية عن الذين استمعوا القرآن