الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل لقاء الموت».

{وَمَنْ يُرِدْ} الله سبحانه وتعالى {أَنْ يُضِلَّهُ}؛ أي: إضلاله وشقاوته {يَجْعَلْ صَدْرَهُ} وقلبه {ضَيِّقًا} عن قبول الإسلام غير متسع له {حَرَجًا}؛ أي: شديد الضيق لا يتسع لشيء من الهدي، ولا يخلص إليه شيء من الإيمان فهو بمعنى الضيق مع المبالغة كرره تأكيدا، وحسن ذلك اختلاف اللفظ {كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ}؛ أي: كأنما يتكلف صدره الصعود في السماء، ويحاول الطلوع إليها، ويزاول أمرا غير ممكن. قال ابن جرير: وهذا (?) مثل ضربه الله لقلب هذا الكافر في شدة ضيقه عن وصول الإيمان إليه مثل امتناعه من الصعود إلى السماء وعجزه عنه؛ لأنه ليس في وسعه، أي: أن (?) من فسدت فطرته بالشرك وتدنست نفسه بالآثام والذنوب .. يجد في صدره ضيقا أيما ضيق إذا طلب إليه التأمل فيما يدعى له من دلائل التوحيد، والنظر في الآفاق والأنفس لما استحوذ على قلبه من باطل التقاليد والاستكبار عن مخالفة ما ألفه وسار عليه الناس، وتضعف إرادته عن ترك ما هو عليه، فتكون إجابته الداعي إلى الدين الجديد ثقيلة عليه، ويشعر بالعجز عن احتمالها، ويكون مثله مثل من صعد في الطبقات العليا في جو السماء إذ يشعر بضيق شديد في التنفس، وكلما صعد في الجو أكثر شعر بضيق أشد، حتى إذا ما ارتفع إلى أعلى من ذلك شعر بتخلخل الهواء، ولم يستطع سبيلا إلى البقاء، فإن هو قد بقي فيها مات اختناقا.

وخلاصة ذلك: أن الله ضرب مثلا لضيق النفس المعنوي يجده من دعي إلى الحق، وقد ألف الباطل وركن إليه بضيق التنفس الذي يجده من صعد بطائرة إلى الطبقات العليا من الجو حتى لقد يشعر بأنه أشرف على الهلاك، وهو لا محالة هالك إن لم يتدارك نفسه، وينزل من هذا الجو إلى طبقات أسفل.

سبحانك ربي، نطق كتابك الكريم بقضية لم يتفهم سرّها البشر، ولم يفقه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015