وحاصل الكلام (?): أن سنة الله تعالى في المجتمع البشري قد قضت أن يكون في كل عاصمة لشعب أو أمة بعث فيها رسول أو لم يبعث زعماء مجرمون يمكرون بالرسل وبسائر المصلحين من بعدهم، وهكذا كان الحال في أكثر أكابر الأمم والشعوب، ولا سيما في العصور التي تكثر فيها المطامع، ويعظم فيها حب الرياسة والكبرياء، فتراهم يمكرون بالأفراد والجماعات، فيحفظوا رياستهم ويعززوا كبرياءهم كما يمكرون بغيرهم من الساسة والرؤساء إرضاء لمطامع أمتهم، وتعزيزا لنفوذ حكومتهم بين الشعوب والدول. والمراد بالأكابر المجرمين من يقاومون دعوة الإصلاح، ويعادون المصلحين من الرسل وورثتهم، وكان أكثر أكابر مكة كذلك، وتخصيص الأكابر بذلك؛ لأنهم أقدر على المكر واستتباع الناس لهم.

{وَما يَمْكُرُونَ}؛ أي: وما يمكر أولئك الأكابر المجرمون الذين يعادون الرسل في عصرهم، ودعاة الإصلاح من ورثتهم من بعدهم {إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ}؛ أي: وما يحيق شر مكرهم إلا بهم {وَما يَشْعُرُونَ}؛ أي: وما يعلمون بذلك أصلا، بل يزعمون أنهم يمكرون بغيرهم. وهكذا شأن (?) من يعادون الحق والعدل، ليبقى لهم ما هم عليه من فسق وفساد؛ لأن سنة الله قد جرت بأن عاقبة المكر السيء تحيق بأهله في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فبما ثبت في القرآن من نصر المرسلين وهلاك الكافرين المعاندين، ومن علو الحق على الباطل، ومن هلاك القرى الظالمة، وبما أيده الاختبار، ودلت عليه نظم العمران من أن تنازع البقاء يقضي ببقاء الأمثل والأصلح {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ}.

وقد أشارت الآيات إلى أن هذا كان سنة الله في الأولين، فقال: {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ}؛ أي: فالذين كانوا يمكرون السيئات لمقاومة إصلاح الرسل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015