أهل التأويل قال: الحكم أكمل من الحاكم؛ لأن الحكم لا يحكم إلا بالحق، والحاكم قد يجور، ولأن الحكم من تكرر منه الحكم، والحاكم يصدق بمرة.

والمعنى: ليس (?) لي أن أتعدى حكم الله تعالى، ولا أن أتجاوزه؛ لأنه لا حكم أعدل من حكمه، ولا قائل أصدق منه، وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا فيه كل ما يصح به الحكم، وإنزاله مشتملا على الحكم التفصيلي للعقائد والشرائع وغيرهما على لسان رجل منكم أمي مثلكم .. هو أكبر دليل وأظهر آية على أنه من عند الله لا من عنده، كما جاء في قوله: {فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ}؛ أي: جاوزت الأربعين، ولم يصدر عني مثله في علومه، ولا في إخباره الغيب، ولا في فصاحته وبلاغته.

والخلاصة:

أنكم تتحكمون في طلب المعجزات؛ لأن الدليل على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم قد حصل بوجهين:

1 - أنه أنزل إليكم الكتاب المفصل المشتمل على علوم كثيرة بأسلوب عجز الخلق عن معارضته، فيكون هذا دليلا على أن الله تعالى قد حكم بنبوته.

2 - ما سيذكره بعد من أن التوراة والإنجيل تشتملان على الآيات الدالة على أنه صلى الله عليه وسلم حق، وأن القرآن كتاب حق من عند الله تعالى، ثم ذكر ما يؤكد ما سبق، فقال: {وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ}؛ أي: وأهل الكتاب الذين أعطيناهم التوراة والإنجيل والزبور {يَعْلَمُونَ أَنَّهُ}؛ أي: أن هذا القرآن {مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ} حالة كونه متلبسا {بِالْحَقِّ} والصدق الذي لا شك فيه ولا شبهة، والمراد بهم علماء أهل الكتاب، فهو عام بمعنى الخصوص.

قرأ ابن عباس وابن عامر وحفص (?): {مُنَزَّلٌ} - بتشديد الزاي - والباقون بسكون النون. {فَلا تَكُونَنَّ} يا محمد، أو أيها المخاطب {مِنَ الْمُمْتَرِينَ}؛ أي: من الشاكين في أن علماء أهل الكتاب يعلمون أن هذا القرآن حق، وأنه منزل من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015