الجوزي في «تفسيره». وقرأ الأعمش شاذا (?): {الجن والإنس} بتقديم الجن.
ومعنى جعلهم أعداء للأنبياء (?): أن سنة الله قد جرت بأن يكون الشرير الذي لا ينقاد للحق كبرا وعنادا، أو جمودا على ما تعود، عدوا للداعي إليه من الأنبياء وورثتهم وناشري دعوتهم، وهكذا الحال في كل ضدين يدعو أحدهما إلى خلاف ما عليه الآخر في الأمور الدينية أو الاجتماعية، وهذا ما يعبر عنه بسنة تنازع البقاء بين المتقابلات التي تدعو إلى التنافس والجهاد، وتكون العاقبة انتصار الحق، وبقاء الأمثل الأصلح، كما قال تعالى: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} فالحياة جهاد لا يثبت فيه إلا الصابرون المجدون، وليس العمل للآخرة إلا كذلك {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214)}.
ثم بين الله سبحانه وتعالى بعدئذ أن من أثر عداوة هؤلاء الشياطين للأنبياء مقاومتهم للهداية والدعوة التي كلفوا بها، فقال: {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا}؛ أي: حالة كون تلك الشياطين يوحي بعضهم؛ أي: يلقي بعضهم ويسر ويناجي إلى بعض آخر، ويعلمه؛ أي: يلقي شياطين الجن إلى شياطين الإنس زخرف القول؛ أي: مزخرفه ومزينه ومحسنه ظاهرا مع بطلان باطنه غرورا؛ أي: ليغروا ويفتنوا بذلك المزخرف المؤمنين والصالحين عن دينهم وعبادتهم وطاعتهم أمر ربهم، يعني (?): أن الشياطين يغرون بذلك الكذب المزخرف غرورا، وذلك أنّ الشياطين يزينون الأعمال القبيحة لبني آدم، ويغرونهم بها غرورا. قال مقاتل (?): وكّلّ إبليس بالإنس شياطين يضلونهم، فإذا التقى شيطان الإنس بشيطان الجن .. قال أحدهما لصاحبه: إني أضللت صاحبي بكذا وكذا، فأضلل أنت صاحبك بكذا وكذا، فذلك وحي بعضهم إلى بعض. وقال غيره: إن المؤمن إذا أعيا شيطانه ذهب إلى متمرد من الإنس، هو شيطان الإنس،