تتمة: في معنى: {وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ} أي (?): وليقول بعضهم: ذاكرت يا محمد أهل الأخبار الماضية، فيزداد كفرًا على كفر. وذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يظهر آيات القرآن نجمًا نجمًا، والكفار كانوا يقولون: إن محمدًا يضم هذه الآيات بعضها إلى بعض يتفكر فيها، ويصلحها آية فآية، ثم يظهرها, ولو كان هذا بوحي نازل إليه من السماء .. فلم لم يأت بهذا القرآن دفعة واحدة، كما أن موسى عليه السلام أتى بالتوراة دفعة واحدة؛ أي: فإن تكرير هذه الآيات حالًا بعد حال هي التي أوقعت الشك للقوم في أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - إنما يأتي بهذا القرآن على سبيل المدارسة مع التفكر والمذاكرة مع أقوام آخرين.
وبعد أن بين سبحانه لرسوله أن الناس في شأن القرآن فريقان: فريق فسدت فطرتهم، ولم يبقَ لديهم استعداد لهديه، ولا للعلم بما فيه من تصريف الآيات، ومن ثم كان نصيبهم منه الجحود والإنكار، وفريق آخر اهتدى به، وعمل بما فيه .. أمره أن يتبع ما أوحي إليه من ربه بالبيان له، والعمل به، فقال:
106 - {اتَّبِعْ} يا محمد {مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ}؛ أي: ما أنزل إليك من ربك؛ أي: ما أمرك به ربك في وحيه الذي أوحاه إليك، وهو القرآن، فاعمل به وبلغه إلى عبادي، ولا تلتفت إلى قول من يقول: دارست أو درست، ولا تتبع أهوائهم. وفي قوله: {مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} تعزية لقلب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإزالة الحزن الذي حصل له بسبب قولهم: درست. ونبه (?) بقوله سبحانه: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} على أنه سبحانه وتعالى واحد فرد صمد لا شريك له، وإذا كان كذلك .. فإنه تجب طاعته ولا يجوز تركها بسبب جهل الجاهلين، وزيغ الزائعين. وهذه الجملة معترضة لا محل لها من الإعراب، أكد بها إيجاب اتباع الوحي، أو حال مؤكدة من {رَبِّكَ}. {وَأَعْرِضْ} يا محمد {عَنِ} استهزاء {الْمُشْرِكِينَ} وشركهم الذين يستهزئون بك، ولا تبال بهم واتركهم ولا تقاتلهم في الحال حتى يأتيك الأمر بقتالهم، فيكون الأمر بالإعراض منسوخًا بآية السيف على هذا المعنى، أو