والأشكال والألوان {لَآيَاتٍ}؛ أي: لدلائل باهرة على قدرة الله تعالى ووحدانيته {لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}؛ أي: يصدقون بوجود الله تعالى ووحدانيته، وإن الذي أخرج هذا النبات وهذه الثمار قادر على أن يحيى الموتى ويبعثهم، وناسب ختم هذه الآية بقوله: {لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} كون ما تقدم دالًّا على وحدانيته وإيجاده المصنوعات المختلفة، فلا بدَّ لها من مدبر مع أنها نابتة من أرض واحدة، وتسقى بماء واحد ذكره في "الجمل".
والمعنى (?): إن في ذلكم الذي أمرتم بالنظر إليه لدلائل عظيمة على وجود القادر الحكيم ووحدانيته لمن هو مؤمن بالفعل، ولمن هو مستعد للإيمان. أما غيرهم .. فإن نظرهم لا يتجاوز الظواهر، ولا يعدوها إلى ما تدل عليه من وجود الخالق ووحدانيته التي إليها ينتهي النظام، فهم لا يغوصون ليصلوا إلى أسرار عالم النبات، ولا يبحثون عن كون انتقاله من حال إلى حال على ذلك النمط البديع دالًّا على كمال الحكمة، وعلى أن وحدة النظام في الأشياء المختلفة لا يمكن أن تصدر من إرادات متعددة.
100 - {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ} هذا الكلام يتضمن ذكر نوع آخر من جهالاتهم وضلالتهم؛ أي: وجعل هؤلاء المشركون الجن شركاء لله سبحانه وتعالى {وَخَلَقَهُمْ}؛ أي: والحال أن الله سبحانه وتعالى قد خلق الجن، أو قد خلق الشركاء المجعولين، كما خلق غيرهم من العالمين، فنسبة الجميع إليه واحدة، وامتياز بعض المخلوقين عن بعض في صفاته وخصائصه لا يخرجه عن كونه مخلوقًا، ولا يصل به إلى درجة أن يكون إلهًا وربًّا.
وفي المراد (?) من الجن هنا أقوال، فقال قتادة: إنهم الملائكة، فقد عبدوهم، وقال الحسن: إنهم الشياطين، فقد أطاعوهم في أمور الشرك والمعاصي. وقيل: إبليس، فقد عبده أقوام وسموه ربًّا، ومنهم من سماه إله الشر والظلمة، وخص الباري سبحانه بألوهية الخير والنور.