به الجزاء من صفات الأعمال، والعاملين لها، وأرشد إلى أن هناك حقيقتين مختلفتين يترتب على كل منهما ما يليق بها من الجزاء، فقال: {قُل} يا محمَّد مخاطبًا أمتك {لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ}؛ أي: لا يستوي الرديء والجيد من الأشياء والأعمال والأموال، فلا يتساوى الضار والنافع، ولا الفاسد ولا الصالح، ولا الحرام والحلال، ولا الظالم والعادل، ولا المسلم والكافر، فلكل منها حكم يليق به عند الله الذي يضع كل شيء في موضعه بحسب علمه؛ أي: لا يستويان في أنفسهما ولا عند الله وعند الناس: {وَلَوْ أَعْجَبَكَ} وأحبك وسرك أيها المخاطب {كَثْرَةُ الْخَبِيثِ} من الناس، أو من الأموال المحرمة؛ لسهولة تناولها والتوسع في التمتع بها؛ كأكل الربا والرشوة والخيانة.
والمراد (?): نفي الاستواء في كل الأحوال ولو في حال كون الخبيث معجبًا للرائي للكثرة التي فيه، فإن هذه الكثرة مع الخبيث في حكم العدم؛ لأن خبث الشيء يبطل فائدته، ويمحق بركته، ويذهب بمنفعته. والواو إما للحال، أو للعطف على مقدَّر؛ أي: لا يستوي الخبيث والطيب لو لم تعجبك كثرة الخيث، ولو أعجبك كثرة الخبيث كقولك: أحسن إلى فلان، وإن أساء إليك؛ أي: أحسن إليه إن لم يسىء إليك، وإن أساء إليك. وجواب {لو} محذوف؛ أي: ولو أعجبك كثرة فلا يستويان.
الخلاصة: أنهما لا يستويان لا في أنفسهما، ولا عند الله، ولو فرض أن كثرة الخبيث أعجبتك وغرتك، فصرت بعيدًا عن إدراك تلك الحقيقة؛ وهي: أن القليل من الحلال خير من كثير من الحرام حسن عاقبة في الدنيا والآخرة، ألا ترى أن القليل الجيد من الغذاء أو المتاع خير من الكثير الرديء الذي لا يغني غناءه، ولا يفيد فائدته، بل ربما يضر ويؤذي صاحبه، فكذلك الحال بالنسبة إلى الناس، فالقليل الطيب منهم خير من الكثير الخبيث، فطائفة قليلة من شجعان المؤمنين تغلب الطائفة الكثيرة من الجبناء المتخاذلين، وجماعة قليلة من ذوي