فصل
ذهب الشافعي ومالك وأبو حنيفة إلى أن كلمة (?): {أَوْ} في هذه الآية للتخيير. وقال أحمد وزفر من أصحاب أبي حنيفة: إنها للترتيب، وهما روايتان عن ابن عباس - رضي الله عنهما -. قال الشافعي: إذا قتل صيدًا له مِثْل .. فهو مخير بين ثلاثة أشياء: إن شاء ذبح المثل من النعم وتصدق به على مساكين الحرم، وإن شاء قَوَّم المثل دراهم، والدراهم طعامًا، ثم يتصدق به على مساكين الحرم، وإن شاء صام عن كل مد من الطعام يومًا، فأي ذلك فعل .. أجزأه موسرًا كان أو معسرًا، وهو قول الجمهور. وقال أبو حنيفة: يصوم عن كل نصف صاع يومًا. وعن أحمد روايتان كالقولين، وأصل هذه المسألة: أن الصوم مقدَّر بطعام اليوم، فعند الشافعي مقدر بالمد، وعند أبي حنيفة مقدر بنصف صاع، وله أن يصوم حيث شاء؛ لأنه لا نفع فيه للمساكين.
وذهب جمهور الفقهاء (?): إلى أن الخيار في تعيين أحد هذه الثلاثة الأشياء إلى قاتل الصيد الذي وجب عليه الكفارة؛ لأن الله تعالى أوجب عليه أحد هذه الثلاثة على التخيير، فوجب أن يكون هو المخير بين أيها شاء. وقال محمد بن الحسن من أصحاب أبي حنيفة: التخيير إلى الحكمين؛ لأن الله تعالى قال: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ}، ومن قال: إن كلمة {أَو} للترتيب قال: إن لم يجد الهدي اشترى طعامًا وتصدق به، فإن كان معسرًا صام. وقال مالك: إن لم يخرج المثل من النعم .. يقوِّم الصيد، ثم يجعل القيمة طعامًا، فيتصدق به أو يصوم. وقال أبو حنيفة: لا يجب المثل من النعم، بل يقوَّم الصيد، فإن شاء صرف تلك القيمة إلى شيء من النعم، وإن شاء إلى الطعام، فيتصدق به، وإن شاء صام عن كل نصف صاع من بر أو صاع من غيره يومًا. واختلفوا في موضع التقويم، فقال جمهور الفقهاء: يقوَّم في المكان الذي قتل فيه الصيد. وقال الشعبي: يقوَّم بمكة بثمن مكة؛ لأنه يصرف بها.