النبي - صلى الله عليه وسلم -، فظل على دعائه، وكذلك لمَّا نزلت آية النساء، فلما نزلت آية المائدة .. دُعي فقرئت عليه، فلما بلغ قول الله تعالى: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} قال: انتهينا، انتهينا.
وروي في سبب هذه الآيات: أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: فيَّ نزل تحريم الخمر، صنع رجل من الأنصار طعامًا، فدعانا، فأتاه ناس، فأكلوا وشربوا حتى انتشوا من الخمر - وذلك قبل تحريمها - فتفاخروا، فقالت الأنصار: الأنصار خير، وقالت قريش: قريش خير، فأهوى رجل بلحى جزور - فك رأس جزور - فضرب على أنس ففزره، قال: فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم -، فذكرت له ذلك فنزلت.
والحكمة في تحريم الخمر بالتدريج: أن الناس كانوا مغرمين بحبها، كلفين بها، فلو حرمت في أول الإسلام .. لكان تحريمها صارفًا لكثير من المدمنين لها عن الإِسلام، ومن ثم جاء تحريمها أولًا في سورة البقرة على وجه فيه مجال للاجتهاد، فيتركها من لم تتمكن فتنتها من نفسه، ثم ذكرها في سورة النساء بما يقتضي تحريمها في الأوقات القريبة من وقت الصلاة؛ إذ نهى عن القرب من الصلاة في حال السكر، فلم يبقَ لمن يصر على شربها إلا الاغتباق بعد صلاة العشاء، وضرره قليل، والصبوح من بعد صلاة الصبح لمن لا عمل له، فلا يخشى أن يمتد سكره إلى وقت الظهر، ثم تركهم الله على هذه الحال زمنًا قويَ فيه الدين، وكثرت الوقائع التي ظهر لهم بها إثمها وضررها، فحرمها تحريمًا باتًا لا هوادة فيه.
روى ابن المنذر عن سعيد بن جبير قال: لما نزلت في البقرة {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} شربها قوم لقوله: {وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ}، وتركها قوم لقوله: {إِثْمٌ كَبِيرٌ}، منهم عثمان بن مظعون حتى نزلت الآية التي في النساء {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى}، فتركها قوم، وشربها قوم يتركونها بالنهار حين الصلاة ويشربونها بالليل حتى نزلت الآية التي في المائدة {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ ...} هو الآية. قال عمر: أَقُرِنْتِ بالميسر والأنصاب