السيئات كالذين آمنوا وعملوا الصالحات، ولا أن يسوّي بين الطيِّب والخبيث، فيجعل البر كالفاجر، والمصلح كالمفسد، بل لا بد من الجزاء بالحق، لذلك جاءت هذه الآيات ترغيبًا لعباده وترهيبًا لهم ووعدًا ووعيدًا.
قوله تعالى: {قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ ...} مناسبة هذه الآية لما قبلها: أنه تعالى لما حذر عن المعصية، ورغب في التوبة بقوله: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} الآية وأتبعه في التكليف بقوله: {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ}، ثم بالترغيب في الطاعة، والتنفير عن المعصية بقوله: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ} .. أتبعه بنوع آخر من الترغيب في الطاعة، والتنفير عن المعصية فقال: {قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ ...} الآية، أو يقال: لما بين أن عقابه شديد لمن عصى، وأنه غفور رحيم لمن أطاع .. بين أنه لا يستوي المطيع والعاصي، وإن كان من العصاة والكفار كثرة، فلا يمنعه كثرتهم من عقابهم، ذكره أبو حيان في "البحر".
أسباب النزول
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ ...} الآية، سبب نزول هذه الآية (?): ما رواه أحمد عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة، وهم يشربون الخمر، ويأكلون الميسر، فسألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنهما: فأنزل الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِر ...} الآية، فقال الناس: ما حرم علينا، إنما قال: إثمٌ كبير، وكانوا يشربون الخمر، حتى كان يوم من الأيام صلى رجل من المهاجرين أمَّ أصحابه في المغرب، فخلط في قراءته، فأنزل الله آية أشد منها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ}، ثم نزلت آية أشد من ذلك {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} إلى قوله {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ}، قالوا: انتهينا ربنا، فقال الناس: يا رسول الله، ناس قتلوا في سبيل الله، وماتوا على سرفهم، وكانوا يشربون الخمر، ويأكلون الميسر، وقد جعله رجسًا من عمل الشيطان، فأنزل الله: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ